راجى عفو ربه
September 26th, 2009, 15:53
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خالفوا المشركين ، وفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب ، ولهما عنه أيضا : أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ، وفي رواية : أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى . واللحية : اسم للشعر النابت على الخدين والذقن ، قال ابن حجر : "وفِّروا" بتشديد الفاء ، من التوفير : وهو الإبقاء ، أي اتركوها وافرة ، وإعفاء اللحية : تركها على حالها .
ومخالفة المشركين يفسره حديث أبي هريرة رضي الله عنه : إن أهل الشرك يعفون شواربهم ويحفون لحاهم فخالفوهم ، فأعفوا اللحى وأحفوا الشوارب رواه البزار بسند حسن ، ولمسلم عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خالفوا المجوس ؛ لأنهم كانوا يقصرون لحاهم ويطولون الشوارب ، ولابن حبان ، عن ابن عمر قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال : إنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم ، فخالفوهم فكان يحفي سباله ، وله عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من فطرة الإسلام أخذ الشارب وإعفاء اللحى ، فإن المجوس تعفي شواربها وتحفي لحاها ، فخالفوهم ، خذوا شواربكم وأعفوا لحاكم ، وفي صحيح مسلم عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أمرنا بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية ، وله عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ومعنى جزوا : قصوا ، وأرخوا : أي أطيلوا ، ورواه بعضهم بلفظ "أرجو" أي : اتركوا ، وما روي بلفظ : "قصوا" لا ينافي الإحفاء ؛ لأن رواية الإحفاء في الصحيحين ومعينة للمراد ، وفي رواية أوفوا اللحى أي : اتركوها وافية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يحرم حلق اللحية . وقال القرطبي : لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قصها .
وحكى أبو محمد بن حزم : الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض ، واستدل بحديث ابن عمر : خالفوا المشركين ، أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ، وبحديث زيد بن أرقم المرفوع : من لم يأخذ شاربه فليس منا صححه الترمذي ، وبأدلة أخر ، قال في الفروع : هذه الصيغة عند أصحابنا تقتضي التحريم ، وقال في الإقناع : ويحرم حلقها ، وروى الطبراني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مثل بالشعر ليس له عند الله خلاق ، قال الزمخشري : معناه : صيره مثلة ، بأن نتفه أو حلقه من الخدود أو غيره بسواد ، وقال في النهاية : مثل بالشعر : حلقه من الخدود ، وقيل : نتفه أو تغييره بسواد .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعفوا اللحى وجزوا الشوارب ، ولا تشبهوا باليهود والنصارى ، وللبزار ، عن ابن عباس مرفوعا : لا تشبهوا بالأعاجم أعفوا اللحى ، وروى أبو داود عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تشبه بقوم فهو منهم ، وله عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فمخالفتهم أمر مقصود للشارع ، والمشابهة في الظاهر تورث مودة ومحبة وموالاة في الباطن ، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر ، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة ، قال : ومشابهتهم فيما ليس من شرعنا يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر ، وقد يصير كفرا بحسب الأدلة الشرعية ، وقال : وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة ، وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به ودار التحريم عليه ، فمشابهتهم في الظاهر سبب لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة ، بل في نفس الاعتقادات ، وتأثير ذلك لا ينضبط ، ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر ، وقد يتعسر أو يتعذر زواله ، وكل ما كان سببا إلى الفساد فالشارع يحرمه . ا هـ .
وروي عن ابن عمر : "من تشبه بهم حتى يموت حشر معهم" ، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع ، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف ، زاد الطبراني : ولا تقصوا النواصي ، وأحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ، وفي شروط عمر على أهل الذمة أن يحلقوا مقادم رؤوسهم ليتميزوا من المسلمين ، فمن فعل ذلك فقد تشبه بهم ، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع : وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه ، وعن ابن عمر - في الرأس - : احلقه كله أو دعه رواه أبو داود ، وحلق القفا لا يجوز لمن لم يحلق رأسه كله ولم يحتج إليه ؛ لأنه من فعل المجوس ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وروى ابن عساكر عن عمر رضي الله عنه : حلق القفا من غير حجامة مجوسية .
وأيضا نهى الله تبارك وتعالى عن اتباع أهوائهم فقال : وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم اتباع لأهوائهم .
وروى ابن أبي شيبة : أن رجلا من المجوس جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا؟ قال : هذا ديننا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكن في ديننا أن نحفي الشوارب وأن نعفي اللحية ، وأخرج الحارث بن أبي أسامة ، عن يحيى بن كثير قال : أتى رجل من العجم المسجد ، وقد وفر شاربه وجز لحيته ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حملك على هذا؟ فقال : إن ربي أمرني بهذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمرني أن أوفر لحيتي وأحفي شاربي ، وروى ابن جرير ، عن زيد بن حبيب قصة رسولي كسرى قال : ودخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما ، فكره النظر إليهما ، وقال : ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا : أمرنا ربنا ، يعنيان : كسرى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي ، وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية ، وللترمذي عن عمر : كث اللحية ، وفي رواية : كثيف اللحية ، وفي أخرى : عظيم اللحية ، وعن أنس : كانت لحيته قد ملأت من ههنا إلى ههنا ، وأمر يده على عارضيه ، ورخص بعض أهل العلم في أخذ ما زاد على القبضة ؛ لفعل ابن عمر وأكثر العلماء يكرهه ، وهو أظهر لما تقدم ، وقال النووي : والمختار تركها على حالها ، وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلا ، وأخرج الخطيب ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يأخذ أحدكم من طول لحيته ، وقال في الدر المختار : وأما الأخذ منها وهي دون القبضة كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد ا هـ .
وقال الله تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وقال : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وقال : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقال : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .
والله تبارك وتعالى جمل الرجال باللحى ، ويروى : ومن تسبيح الملائكة : سبحان من زين الرجال باللحى ، وقال في التمهيد : ويحرم حلق اللحية ، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال ا هـ .
فاللحية زينة الرجال ، ومن تمام الخلق ، وبها ميز الله الرجال من النساء ، ومن علامات الكمال ، ونتفها في أول نباتها تشبه بالمرد ، ومن المنكرات الكبار وكذلك حلقها أو قصها أو إزالتها بالنورة من أشد المنكرات ، ومعصية ظاهرة ، ومخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووقوع فيما نهى عنه .
وذكر الغزالي في الإحياء : أن نتف الفنيكين بدعة وهما : جانبا العنفقة ، قال : وشهد عند عمر بن عبد العزيز رجل كان ينتف فنيكيه فرد شهادته ، ورد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وابن أبي ليلى قاضي المدينة شهادة من كان ينتف لحيته .
قال الإمام أبو شامة : وقد حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نقل عن المجوس من أنهم كانوا يقصونها ، وهذا في زمانه رحمه الله فكيف لو رأى كثرة من يفعله اليوم! . وما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون! . أمرهم الله بالتأسي برسوله صلى الله عليه وسلم فخالفوه وعصوه وتأسوا بالمجوس والكفرة ، وأمرهم الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : أعفوا اللحى ، أوفوا اللحى ، أرخوا اللحى ، أرخوا اللحى ، وفروا اللحى ، فعصوه وعمدوا إلى لحاهم فحلقوها ، وأمرهم بحلق الشوارب فأطالوها ، فعكسوا القضية ، وعصوا الله جهارا ؛ لتشويه ما جمل الله به أشرف شيء من ابن آدم وأجمله ، أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ .
اللهم إنا نعوذ بك من عمى القلوب ، ورين الذنوب ، وخزي الدنيا وعذاب الآخرة إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ . وفي هذا كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا والله أعلم .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خالفوا المشركين ، وفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب ، ولهما عنه أيضا : أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ، وفي رواية : أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى . واللحية : اسم للشعر النابت على الخدين والذقن ، قال ابن حجر : "وفِّروا" بتشديد الفاء ، من التوفير : وهو الإبقاء ، أي اتركوها وافرة ، وإعفاء اللحية : تركها على حالها .
ومخالفة المشركين يفسره حديث أبي هريرة رضي الله عنه : إن أهل الشرك يعفون شواربهم ويحفون لحاهم فخالفوهم ، فأعفوا اللحى وأحفوا الشوارب رواه البزار بسند حسن ، ولمسلم عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خالفوا المجوس ؛ لأنهم كانوا يقصرون لحاهم ويطولون الشوارب ، ولابن حبان ، عن ابن عمر قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال : إنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم ، فخالفوهم فكان يحفي سباله ، وله عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من فطرة الإسلام أخذ الشارب وإعفاء اللحى ، فإن المجوس تعفي شواربها وتحفي لحاها ، فخالفوهم ، خذوا شواربكم وأعفوا لحاكم ، وفي صحيح مسلم عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أمرنا بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية ، وله عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ومعنى جزوا : قصوا ، وأرخوا : أي أطيلوا ، ورواه بعضهم بلفظ "أرجو" أي : اتركوا ، وما روي بلفظ : "قصوا" لا ينافي الإحفاء ؛ لأن رواية الإحفاء في الصحيحين ومعينة للمراد ، وفي رواية أوفوا اللحى أي : اتركوها وافية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يحرم حلق اللحية . وقال القرطبي : لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قصها .
وحكى أبو محمد بن حزم : الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض ، واستدل بحديث ابن عمر : خالفوا المشركين ، أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ، وبحديث زيد بن أرقم المرفوع : من لم يأخذ شاربه فليس منا صححه الترمذي ، وبأدلة أخر ، قال في الفروع : هذه الصيغة عند أصحابنا تقتضي التحريم ، وقال في الإقناع : ويحرم حلقها ، وروى الطبراني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مثل بالشعر ليس له عند الله خلاق ، قال الزمخشري : معناه : صيره مثلة ، بأن نتفه أو حلقه من الخدود أو غيره بسواد ، وقال في النهاية : مثل بالشعر : حلقه من الخدود ، وقيل : نتفه أو تغييره بسواد .
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعفوا اللحى وجزوا الشوارب ، ولا تشبهوا باليهود والنصارى ، وللبزار ، عن ابن عباس مرفوعا : لا تشبهوا بالأعاجم أعفوا اللحى ، وروى أبو داود عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تشبه بقوم فهو منهم ، وله عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فمخالفتهم أمر مقصود للشارع ، والمشابهة في الظاهر تورث مودة ومحبة وموالاة في الباطن ، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر ، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة ، قال : ومشابهتهم فيما ليس من شرعنا يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر ، وقد يصير كفرا بحسب الأدلة الشرعية ، وقال : وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة ، وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به ودار التحريم عليه ، فمشابهتهم في الظاهر سبب لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة ، بل في نفس الاعتقادات ، وتأثير ذلك لا ينضبط ، ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قد لا يظهر ، وقد يتعسر أو يتعذر زواله ، وكل ما كان سببا إلى الفساد فالشارع يحرمه . ا هـ .
وروي عن ابن عمر : "من تشبه بهم حتى يموت حشر معهم" ، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع ، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف ، زاد الطبراني : ولا تقصوا النواصي ، وأحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ، وفي شروط عمر على أهل الذمة أن يحلقوا مقادم رؤوسهم ليتميزوا من المسلمين ، فمن فعل ذلك فقد تشبه بهم ، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع : وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه ، وعن ابن عمر - في الرأس - : احلقه كله أو دعه رواه أبو داود ، وحلق القفا لا يجوز لمن لم يحلق رأسه كله ولم يحتج إليه ؛ لأنه من فعل المجوس ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وروى ابن عساكر عن عمر رضي الله عنه : حلق القفا من غير حجامة مجوسية .
وأيضا نهى الله تبارك وتعالى عن اتباع أهوائهم فقال : وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم اتباع لأهوائهم .
وروى ابن أبي شيبة : أن رجلا من المجوس جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا؟ قال : هذا ديننا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكن في ديننا أن نحفي الشوارب وأن نعفي اللحية ، وأخرج الحارث بن أبي أسامة ، عن يحيى بن كثير قال : أتى رجل من العجم المسجد ، وقد وفر شاربه وجز لحيته ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حملك على هذا؟ فقال : إن ربي أمرني بهذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمرني أن أوفر لحيتي وأحفي شاربي ، وروى ابن جرير ، عن زيد بن حبيب قصة رسولي كسرى قال : ودخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما ، فكره النظر إليهما ، وقال : ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا : أمرنا ربنا ، يعنيان : كسرى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي ، وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية ، وللترمذي عن عمر : كث اللحية ، وفي رواية : كثيف اللحية ، وفي أخرى : عظيم اللحية ، وعن أنس : كانت لحيته قد ملأت من ههنا إلى ههنا ، وأمر يده على عارضيه ، ورخص بعض أهل العلم في أخذ ما زاد على القبضة ؛ لفعل ابن عمر وأكثر العلماء يكرهه ، وهو أظهر لما تقدم ، وقال النووي : والمختار تركها على حالها ، وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلا ، وأخرج الخطيب ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يأخذ أحدكم من طول لحيته ، وقال في الدر المختار : وأما الأخذ منها وهي دون القبضة كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد ا هـ .
وقال الله تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وقال : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وقال : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقال : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .
والله تبارك وتعالى جمل الرجال باللحى ، ويروى : ومن تسبيح الملائكة : سبحان من زين الرجال باللحى ، وقال في التمهيد : ويحرم حلق اللحية ، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال ا هـ .
فاللحية زينة الرجال ، ومن تمام الخلق ، وبها ميز الله الرجال من النساء ، ومن علامات الكمال ، ونتفها في أول نباتها تشبه بالمرد ، ومن المنكرات الكبار وكذلك حلقها أو قصها أو إزالتها بالنورة من أشد المنكرات ، ومعصية ظاهرة ، ومخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووقوع فيما نهى عنه .
وذكر الغزالي في الإحياء : أن نتف الفنيكين بدعة وهما : جانبا العنفقة ، قال : وشهد عند عمر بن عبد العزيز رجل كان ينتف فنيكيه فرد شهادته ، ورد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وابن أبي ليلى قاضي المدينة شهادة من كان ينتف لحيته .
قال الإمام أبو شامة : وقد حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نقل عن المجوس من أنهم كانوا يقصونها ، وهذا في زمانه رحمه الله فكيف لو رأى كثرة من يفعله اليوم! . وما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون! . أمرهم الله بالتأسي برسوله صلى الله عليه وسلم فخالفوه وعصوه وتأسوا بالمجوس والكفرة ، وأمرهم الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : أعفوا اللحى ، أوفوا اللحى ، أرخوا اللحى ، أرخوا اللحى ، وفروا اللحى ، فعصوه وعمدوا إلى لحاهم فحلقوها ، وأمرهم بحلق الشوارب فأطالوها ، فعكسوا القضية ، وعصوا الله جهارا ؛ لتشويه ما جمل الله به أشرف شيء من ابن آدم وأجمله ، أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ .
اللهم إنا نعوذ بك من عمى القلوب ، ورين الذنوب ، وخزي الدنيا وعذاب الآخرة إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ . وفي هذا كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا والله أعلم .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم