الساهر
September 12th, 2011, 09:46
في مساء يوم الاثنين 12 ربيع الأول 1430ه توفي الشيخ سليمان بن إبراهيم الدخيل رحمه الله في الرياض وصلي عليه ظهر الثلاثاء بمسجد عتيقة في الرياض ثم عصر اليوم نفسه في ثرمداء.. حيث دفن في مسقط رأسه ونشأته ومقر سكانه.
http://s.alriyadh.com/2009/03/27/img/253044.jpg
ولد الشيخ سليمان بن إبراهيم بن محمد الدخيل في ثرمداء سنة 1355ه، وهو من أسرة آل يويسف من بني العنبر بن عمرو بن تميم، تعلم في الكتاب ببلدته حتى أتقن تلاوة القرآن الكريم وألم بالكتابة، ودرس القرآن الكريم على الشيخ عبدالله بن صالح بن محسن مدير المدرسة فحفظ (المفصل) وتعلم مبادئ اللغة العربية (الأجروميه) وذلك في جامع ثرمداء ولمدى عام دراسي 1372ه. ثم عين مدرساً في مدرسة ثرمداء الابتدائية في 7/5/1374ه. وحصل على الشهادة الابتدائية وهو على رأس العمل مع أول فوج تخرج من المدرسة عام 1377ه. وحصل على دورات تدريبية في مجال الدراسة وطرق التدريس في مدينة الطائف عامي 1378ه ، 1379ه. وحصل على شهادة الكفاءة المتوسطة انتساباً عامي (1386ه/1387ه). ثم رشح مديراً للمدرسة الابتدائية عام 1386ه واستمر مديراً لها ولمدة 25 عاماً. وعندما افتتحت المدرسة المتوسطة عام 1392ه ملحقة بمبنى الابتدائية وضمت إدارتها إلى إدارة المدرسة الابتدائية عمل مديراً للمرحلتين حتى تقاعد مبكراً في 16 شعبان 1412ه. وعمل في جمعية ثرمداء الخيرية منذ افتتاحها عام 1413ه لمدة تقارب عشر سنوات أميناً للجمعية وكان إماماً للمسجد الشمالي إلى وفاته رحمه الله، وله شعر مناسبات وطنية دونها في كتابه (ثرمداء). وله أبناء وبنات هم إبراهيم وأحمد وصلاح ومحمد رحمه الله رحمة واسعة وبارك في ذريته.
وقد نشأت بيني وبين الشيخ الدخّيل منذ خمس سنوات علاقة ومودة حميمة إثر زيارتي له في منزله في ثرمداء من أجل الحصول منه على معلومات تاريخية لمشروع كتابي عن قصر العناقر في ثرمداء (المنشور في الرياض 1427ه بتكليف من الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز حفظه الله) .
وأدركت سعة معلوماته عن تاريخ بلدته وعكوفه منذ سنوات على تأليف كتاب عن تاريخ ثرمداء.. فرغ بحمد الله من إتمامه قبيل وفاته وإن لم ينشر بعد.. وكان رحمه الله يتمنى إنجازه ونشره في حياته.. إلا أن الوعد بنشره من جهة رسمية قد أدخل الكتاب في دوامة الروتين الإداري والمراجعات.. واقترح رحمه الله على تلك الجهة أن يحال الكتاب إليّ لفحصه ومراجعته وأحيلت مسوداته في خطاب رسمي موجه لي مباشرة فقرأت الكتاب وألفيته متميزاً في تتبع تاريخ ثرمداء ماضياً وحاضراً من جميع الجوانب، وقدمت بعض التصويبات والتعديلات التي لا يخلو منها أي تأليف.. آخذاً في الاعتبار أن المؤلف ليس باحثاً في مرحلة الماجستير أو الدكتوراه أو أستاذاً جامعياً في أحد أقسام التاريخ.. وإنما هو مواطن مخلص لبلدته.. كان يعمل معلماً ومديراً لمدارسها وإماماً لأحد مساجدها ومعاصراً للأحداث دَّون بقلمه وبروايته وبمنهجه الخاص مستعيناً بالوثائق والمراجع وشهود العيان في كل ما يهم تاريخ ثرمداء، وخاصة أنها من بلدان الوشم التي لم يؤلف عنها كتاب معاصر.. فكان بمثابة الرائد.. فلابد أن ينظر إلى تأليفه وفق هذه الاعتبارات ولا تطبق المعايير الأكاديمية الصارمة في المتن والهوامش.. بل كان للمؤلف منهجه الخاص المقبول علمياً طالما التزم به في نسق كتابه.
ولما كان رحمه الله قريباً من التمتع برؤية كتابه منشوراً، أحيلت مسودات الكتاب إلى فاحص فاضل آخر أراد الكمال والتمام في عمل قد تم إنجازه ويصعب على مؤلفه وقد جاوز السبعين الأخذ والرد والحذف والإضافة وهو مطمئن تمام الاطمئنان إلى تثبته من معلوماته وحسن عرضه وتبويبه.
ومن هذا المنطلق كتب إليّ رحمه الله رسالة خاصة قال فيها: (المكرم الأخ الدكتور الأستاذ عبداللطيف بن محمد الحميد سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد/ أكتب لك هذه الرسالة مبدياً شكري وتقديري لك شخصياً على حسن استقبالك ولطفك وتقديرك لي كلما هاتفتك واحتجت لرأيك ومشورتك أرجو الله أن يحفظك ويقيك كل شر ومكروه. اللهم آمين ويا أخي لقد أصابتني صدمة عنيفة وإحباط وخيبة أمل بعد أن أعيد بحثي عن ثرمداء والذي بذلت فيه جهداً كبيراً وأضعت فيه وقتاً طويلاً... فكرت في الرد أنه سيأخذ وقتاً طويلاً وحينما يرسل سيحال للجنة التي بدورها تأخذ وقتاً. ثم ماذا؟ ستعيده متمسكة برأيها.. وأنا على هذا الحال كبر سني ولا أخلو من الأمراض والحمد لله رب العالمين. لذا أرجو من فضلك يا أبا محمد أن تدرس رسالتي هذه.. وأرجو أن تتحمل هذا العبء الثقيل الذي أشركتك فيه رغم كثرة مشاغلك. ولك من الله الأجر والمثوبة وجزاك الله عني أحسن الجزاء) .
ومع كل هذه المعاناة فقد نفذ رحمه الله ما وجده من ملحوظات علمية وإملائية وأسلوبية صائبة، وتجنب ما رأه مخالفاً لمنهجه أو ما يعد قابلاً للأخذ والرد فرجح الصواب.
وكنت قد اقترحت على شيخنا أن يرسل نسخة من كتابه لابن أخته الباحث المدقق الأديب الدكتور إبراهيم بن مقحم المقحم لإبداء رأيه أيضاً في الكتاب. فكتب رسالة موجهة لي وللدكتور إبراهيم بتاريخ 2/6/1429ه قال فيها: (أبعث إليكما كتابي عن بلدتي ثرمداء أرجو التكرم بقراءته وإعطاء رأيكما وملاحظاتكما عليه... لكي أقوم بتعديل ما اقتنع بتعديله أو حذف ما اقتنع بحذفه ولا يمس جوهر الموضوع أو يفقده أهميته...)
وهذا دليل أن للمؤرخ الدخّيل رحمه الله أسلوبه ومنهجه ورؤيته المستمدة من معرفته الدقيقة وخبرته الواسعة رواية ودراية بتاريخ ثرمداء.
وقد كتبت بتاريخ 22/6/1429ه رسالة جوابية نصها: (سعادة الوالد الكريم الشيخ سليمان بن إبراهيم الدخيل حفظه الله ورعاه.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أشكركم على ما ورد في خطابكم من مشاعر نبيلة ومحبة صادقة هي مشاعري ومحبتي سلفاً لكم. وأنتم منزلة الوالد والأخ الكبير والمعلم المربي.. ومرفق مسودة كتابكم القيّم (ثرمداء) وقد بذل فيه أخي العزيز الدكتور إبراهيم المقحم مجهوداُ مشكوراً.. ووضع مقترحاته وتصويباته.. ثم اطلعت على ما دونه فألفيته جيداً يستحق الأخذ به، وما شعرت أنه ليس ضرورياً - كسباً للوقت - وضعت عليه علامة باللون الأزرق لكي تكونوا بالخيار في الأخذ أو عدمه... حفظكم الله ورعاكم وجزاكم خيراً عن أهالي ثرمداء والوشم وأرجاء الوطن) .
وقد اتفقت بشكل عفوي دون سابق تنسيق مع الأخ الباحث المعروف الأستاذ عبدالله البسيمي على تسمية شيخنا سليمان الدخيل بمؤرخ ثرمداء... إذ كنت في ضحى اليوم الذي ستقام الصلاة على الفقيد مع الزميل الدكتور خليفة المسعود مؤلف كتاب (الوشم في عهد الدولة السعودية الأولى) والزميل الأستاذ الدكتور عمر العمري نناقش رسالة ماجستير للزميل الأستاذ ضيف الله بن رازن بن دليم العتيبي بعنوان (الوشم في عهد الملك عبدالعزيز) وكانت مسودة كتاب ثرمداء للفقيد أحد المراجع الهامة للباحث في تلك الرسالة.. وقلت وقتها للحضور إننا بعد انتهاء المناقشة سوف نذهب للصلاة على الشيخ سليمان الدخيل فنرجو الدعاء له بالمغفرة والرحمة. وأثنيت على جهوده وذكرت إنني بصدد تحرير مقال عنه بعنوان - سليمان الدخيل مؤرخ ثرمداء - لأنه قد ترك لنا مؤلفاً شاملاً كان من أوائل من أفاد منه الأستاذ ضيف الله في رسالته للماجستير.. وفي الوقت نفسه وصلتني رسالة هاتفية من الأستاذ الباحث المعروف عبدالله البسيمي كتب فيها (توفي ليلة البارحة سليمان بن إبراهيم الخيل رحمه الله - مؤرخ ثرمداء - ....) فقلت في نفسي هذا من باب التوافق الجميل ولقب مؤرخ ثرمداء يستحقه المرحوم بجدارة.
كتاب تاريخ ثرمداء:
جاء كتاب الدخّيل عن (ثرمداء) في مقدمة وسبعة فصول مستنداً على وثائق محلية وروايات معاصرين وأكثر من ستين مرجعاً. وتناول الفصل الأول الموقع والمعالم الجغرافية متحدثاً عن الوشم وبلدان الوشم ونشأة بلدة ثرمداء وثرمداء والموقع وثرمداء عند علماء المنازل والديار وذو بهدى والرغام والوديان والشعاب والمسميات حول ثرمداء.
وفي الفصل الثاني بعنوان (لمحة تاريخية عن ثرمداء) استعرض الأحداث التاريخية والنزاعات البلدانية في ثرمداء وما حولها، والحالة السياسية، والملك عبدالعزيز وثرمداء، والإمارة، وزيارات الرحالة لثرمداء.
وأما الفصل الثالث في الكتاب فتناول الأماكن الأثرية في ثرمداء مثل الأحياء القديمة التي تتكون منها بلدة ثرمداء، وسور البلدة والجواد (الجادة) من ثرمداء والآبار .
وفي الفصل الرابع عرض للتطور السكاني والعمراني متحدثاً عن التركيبة السكانية بثرمداء وما حولها والأسر والمساجد والدوائر الحكومية وجمعية ثرمداء الخيرية واختتم الفصل بعرض لمشاهير الرجال في القرن الرابع عشر.
وفي الفصل الخامس بعنوان النشاط الاقتصادي قديماً وحديثاً تطرق الدخيل لروضة القاع وأثرها في النشاط السكاني، والصناعة والزراعة، والجمالة، وجمع الأعشاب، والبناء، والنجارة، وأساتذة البناء، ونماذج من كبار الفلاحين في القرن الرابع عشر الهجري.
وفي الفصل السادس تناول الدخّيل الحديث عن الحياة الثقافية والفكرية مبتدئاً بالحركة العلمية، ومدرسي الصبيان ( الكتاتيب ) ، والتعليم النظامي، ونماذج من المتخرجين الجامعيين، وأوائل الحاصلين على شهادة الدكتوراه، والرجال البارزين في العصر الحاضر، ثم تناول الشعر والشعراء، والشاعر (جرير) بين أثيفية وثرمداء، والقضاة في ثرمداء وكتاب الوثائق، والربان النجدي أحمد بن ماجد.
وفي الفصل السابع والأخير تطرق المؤلف للحياة الاجتماعية مثل الأوقاف والأسبال.. والسنوات المشهورة، والأشهر التي لها مسميات قديمة، والعادات الحسنة قبل صلاة الاستسقاء، والنخوة، وطلب العيد، وتوديع الحجاج واستقبال الحجاج، والطلب من الحجاج، والتعمير والتطريب، ووليمة العيد، وصيد الجراد، وعادة الزواج قبل خمسين عاماً ومجالس الرجال والوسوم، وأخيراً نبذة عن ثرمداء الحديثة، وخاتمة الكتاب ومصادره ومراجعه وفهارسه.
أ.د عبد اللطيف بن محمد الحميد
قسم التاريخ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
http://s.alriyadh.com/2009/03/27/img/253044.jpg
ولد الشيخ سليمان بن إبراهيم بن محمد الدخيل في ثرمداء سنة 1355ه، وهو من أسرة آل يويسف من بني العنبر بن عمرو بن تميم، تعلم في الكتاب ببلدته حتى أتقن تلاوة القرآن الكريم وألم بالكتابة، ودرس القرآن الكريم على الشيخ عبدالله بن صالح بن محسن مدير المدرسة فحفظ (المفصل) وتعلم مبادئ اللغة العربية (الأجروميه) وذلك في جامع ثرمداء ولمدى عام دراسي 1372ه. ثم عين مدرساً في مدرسة ثرمداء الابتدائية في 7/5/1374ه. وحصل على الشهادة الابتدائية وهو على رأس العمل مع أول فوج تخرج من المدرسة عام 1377ه. وحصل على دورات تدريبية في مجال الدراسة وطرق التدريس في مدينة الطائف عامي 1378ه ، 1379ه. وحصل على شهادة الكفاءة المتوسطة انتساباً عامي (1386ه/1387ه). ثم رشح مديراً للمدرسة الابتدائية عام 1386ه واستمر مديراً لها ولمدة 25 عاماً. وعندما افتتحت المدرسة المتوسطة عام 1392ه ملحقة بمبنى الابتدائية وضمت إدارتها إلى إدارة المدرسة الابتدائية عمل مديراً للمرحلتين حتى تقاعد مبكراً في 16 شعبان 1412ه. وعمل في جمعية ثرمداء الخيرية منذ افتتاحها عام 1413ه لمدة تقارب عشر سنوات أميناً للجمعية وكان إماماً للمسجد الشمالي إلى وفاته رحمه الله، وله شعر مناسبات وطنية دونها في كتابه (ثرمداء). وله أبناء وبنات هم إبراهيم وأحمد وصلاح ومحمد رحمه الله رحمة واسعة وبارك في ذريته.
وقد نشأت بيني وبين الشيخ الدخّيل منذ خمس سنوات علاقة ومودة حميمة إثر زيارتي له في منزله في ثرمداء من أجل الحصول منه على معلومات تاريخية لمشروع كتابي عن قصر العناقر في ثرمداء (المنشور في الرياض 1427ه بتكليف من الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز حفظه الله) .
وأدركت سعة معلوماته عن تاريخ بلدته وعكوفه منذ سنوات على تأليف كتاب عن تاريخ ثرمداء.. فرغ بحمد الله من إتمامه قبيل وفاته وإن لم ينشر بعد.. وكان رحمه الله يتمنى إنجازه ونشره في حياته.. إلا أن الوعد بنشره من جهة رسمية قد أدخل الكتاب في دوامة الروتين الإداري والمراجعات.. واقترح رحمه الله على تلك الجهة أن يحال الكتاب إليّ لفحصه ومراجعته وأحيلت مسوداته في خطاب رسمي موجه لي مباشرة فقرأت الكتاب وألفيته متميزاً في تتبع تاريخ ثرمداء ماضياً وحاضراً من جميع الجوانب، وقدمت بعض التصويبات والتعديلات التي لا يخلو منها أي تأليف.. آخذاً في الاعتبار أن المؤلف ليس باحثاً في مرحلة الماجستير أو الدكتوراه أو أستاذاً جامعياً في أحد أقسام التاريخ.. وإنما هو مواطن مخلص لبلدته.. كان يعمل معلماً ومديراً لمدارسها وإماماً لأحد مساجدها ومعاصراً للأحداث دَّون بقلمه وبروايته وبمنهجه الخاص مستعيناً بالوثائق والمراجع وشهود العيان في كل ما يهم تاريخ ثرمداء، وخاصة أنها من بلدان الوشم التي لم يؤلف عنها كتاب معاصر.. فكان بمثابة الرائد.. فلابد أن ينظر إلى تأليفه وفق هذه الاعتبارات ولا تطبق المعايير الأكاديمية الصارمة في المتن والهوامش.. بل كان للمؤلف منهجه الخاص المقبول علمياً طالما التزم به في نسق كتابه.
ولما كان رحمه الله قريباً من التمتع برؤية كتابه منشوراً، أحيلت مسودات الكتاب إلى فاحص فاضل آخر أراد الكمال والتمام في عمل قد تم إنجازه ويصعب على مؤلفه وقد جاوز السبعين الأخذ والرد والحذف والإضافة وهو مطمئن تمام الاطمئنان إلى تثبته من معلوماته وحسن عرضه وتبويبه.
ومن هذا المنطلق كتب إليّ رحمه الله رسالة خاصة قال فيها: (المكرم الأخ الدكتور الأستاذ عبداللطيف بن محمد الحميد سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد/ أكتب لك هذه الرسالة مبدياً شكري وتقديري لك شخصياً على حسن استقبالك ولطفك وتقديرك لي كلما هاتفتك واحتجت لرأيك ومشورتك أرجو الله أن يحفظك ويقيك كل شر ومكروه. اللهم آمين ويا أخي لقد أصابتني صدمة عنيفة وإحباط وخيبة أمل بعد أن أعيد بحثي عن ثرمداء والذي بذلت فيه جهداً كبيراً وأضعت فيه وقتاً طويلاً... فكرت في الرد أنه سيأخذ وقتاً طويلاً وحينما يرسل سيحال للجنة التي بدورها تأخذ وقتاً. ثم ماذا؟ ستعيده متمسكة برأيها.. وأنا على هذا الحال كبر سني ولا أخلو من الأمراض والحمد لله رب العالمين. لذا أرجو من فضلك يا أبا محمد أن تدرس رسالتي هذه.. وأرجو أن تتحمل هذا العبء الثقيل الذي أشركتك فيه رغم كثرة مشاغلك. ولك من الله الأجر والمثوبة وجزاك الله عني أحسن الجزاء) .
ومع كل هذه المعاناة فقد نفذ رحمه الله ما وجده من ملحوظات علمية وإملائية وأسلوبية صائبة، وتجنب ما رأه مخالفاً لمنهجه أو ما يعد قابلاً للأخذ والرد فرجح الصواب.
وكنت قد اقترحت على شيخنا أن يرسل نسخة من كتابه لابن أخته الباحث المدقق الأديب الدكتور إبراهيم بن مقحم المقحم لإبداء رأيه أيضاً في الكتاب. فكتب رسالة موجهة لي وللدكتور إبراهيم بتاريخ 2/6/1429ه قال فيها: (أبعث إليكما كتابي عن بلدتي ثرمداء أرجو التكرم بقراءته وإعطاء رأيكما وملاحظاتكما عليه... لكي أقوم بتعديل ما اقتنع بتعديله أو حذف ما اقتنع بحذفه ولا يمس جوهر الموضوع أو يفقده أهميته...)
وهذا دليل أن للمؤرخ الدخّيل رحمه الله أسلوبه ومنهجه ورؤيته المستمدة من معرفته الدقيقة وخبرته الواسعة رواية ودراية بتاريخ ثرمداء.
وقد كتبت بتاريخ 22/6/1429ه رسالة جوابية نصها: (سعادة الوالد الكريم الشيخ سليمان بن إبراهيم الدخيل حفظه الله ورعاه.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أشكركم على ما ورد في خطابكم من مشاعر نبيلة ومحبة صادقة هي مشاعري ومحبتي سلفاً لكم. وأنتم منزلة الوالد والأخ الكبير والمعلم المربي.. ومرفق مسودة كتابكم القيّم (ثرمداء) وقد بذل فيه أخي العزيز الدكتور إبراهيم المقحم مجهوداُ مشكوراً.. ووضع مقترحاته وتصويباته.. ثم اطلعت على ما دونه فألفيته جيداً يستحق الأخذ به، وما شعرت أنه ليس ضرورياً - كسباً للوقت - وضعت عليه علامة باللون الأزرق لكي تكونوا بالخيار في الأخذ أو عدمه... حفظكم الله ورعاكم وجزاكم خيراً عن أهالي ثرمداء والوشم وأرجاء الوطن) .
وقد اتفقت بشكل عفوي دون سابق تنسيق مع الأخ الباحث المعروف الأستاذ عبدالله البسيمي على تسمية شيخنا سليمان الدخيل بمؤرخ ثرمداء... إذ كنت في ضحى اليوم الذي ستقام الصلاة على الفقيد مع الزميل الدكتور خليفة المسعود مؤلف كتاب (الوشم في عهد الدولة السعودية الأولى) والزميل الأستاذ الدكتور عمر العمري نناقش رسالة ماجستير للزميل الأستاذ ضيف الله بن رازن بن دليم العتيبي بعنوان (الوشم في عهد الملك عبدالعزيز) وكانت مسودة كتاب ثرمداء للفقيد أحد المراجع الهامة للباحث في تلك الرسالة.. وقلت وقتها للحضور إننا بعد انتهاء المناقشة سوف نذهب للصلاة على الشيخ سليمان الدخيل فنرجو الدعاء له بالمغفرة والرحمة. وأثنيت على جهوده وذكرت إنني بصدد تحرير مقال عنه بعنوان - سليمان الدخيل مؤرخ ثرمداء - لأنه قد ترك لنا مؤلفاً شاملاً كان من أوائل من أفاد منه الأستاذ ضيف الله في رسالته للماجستير.. وفي الوقت نفسه وصلتني رسالة هاتفية من الأستاذ الباحث المعروف عبدالله البسيمي كتب فيها (توفي ليلة البارحة سليمان بن إبراهيم الخيل رحمه الله - مؤرخ ثرمداء - ....) فقلت في نفسي هذا من باب التوافق الجميل ولقب مؤرخ ثرمداء يستحقه المرحوم بجدارة.
كتاب تاريخ ثرمداء:
جاء كتاب الدخّيل عن (ثرمداء) في مقدمة وسبعة فصول مستنداً على وثائق محلية وروايات معاصرين وأكثر من ستين مرجعاً. وتناول الفصل الأول الموقع والمعالم الجغرافية متحدثاً عن الوشم وبلدان الوشم ونشأة بلدة ثرمداء وثرمداء والموقع وثرمداء عند علماء المنازل والديار وذو بهدى والرغام والوديان والشعاب والمسميات حول ثرمداء.
وفي الفصل الثاني بعنوان (لمحة تاريخية عن ثرمداء) استعرض الأحداث التاريخية والنزاعات البلدانية في ثرمداء وما حولها، والحالة السياسية، والملك عبدالعزيز وثرمداء، والإمارة، وزيارات الرحالة لثرمداء.
وأما الفصل الثالث في الكتاب فتناول الأماكن الأثرية في ثرمداء مثل الأحياء القديمة التي تتكون منها بلدة ثرمداء، وسور البلدة والجواد (الجادة) من ثرمداء والآبار .
وفي الفصل الرابع عرض للتطور السكاني والعمراني متحدثاً عن التركيبة السكانية بثرمداء وما حولها والأسر والمساجد والدوائر الحكومية وجمعية ثرمداء الخيرية واختتم الفصل بعرض لمشاهير الرجال في القرن الرابع عشر.
وفي الفصل الخامس بعنوان النشاط الاقتصادي قديماً وحديثاً تطرق الدخيل لروضة القاع وأثرها في النشاط السكاني، والصناعة والزراعة، والجمالة، وجمع الأعشاب، والبناء، والنجارة، وأساتذة البناء، ونماذج من كبار الفلاحين في القرن الرابع عشر الهجري.
وفي الفصل السادس تناول الدخّيل الحديث عن الحياة الثقافية والفكرية مبتدئاً بالحركة العلمية، ومدرسي الصبيان ( الكتاتيب ) ، والتعليم النظامي، ونماذج من المتخرجين الجامعيين، وأوائل الحاصلين على شهادة الدكتوراه، والرجال البارزين في العصر الحاضر، ثم تناول الشعر والشعراء، والشاعر (جرير) بين أثيفية وثرمداء، والقضاة في ثرمداء وكتاب الوثائق، والربان النجدي أحمد بن ماجد.
وفي الفصل السابع والأخير تطرق المؤلف للحياة الاجتماعية مثل الأوقاف والأسبال.. والسنوات المشهورة، والأشهر التي لها مسميات قديمة، والعادات الحسنة قبل صلاة الاستسقاء، والنخوة، وطلب العيد، وتوديع الحجاج واستقبال الحجاج، والطلب من الحجاج، والتعمير والتطريب، ووليمة العيد، وصيد الجراد، وعادة الزواج قبل خمسين عاماً ومجالس الرجال والوسوم، وأخيراً نبذة عن ثرمداء الحديثة، وخاتمة الكتاب ومصادره ومراجعه وفهارسه.
أ.د عبد اللطيف بن محمد الحميد
قسم التاريخ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية