ابو فيــصل
July 20th, 2008, 00:17
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
فهذه نقولات أخذتها من كتب أهل العلم أتبعها بإشارة لموضوع سبق أن وضعته هنا في هذا المنتدى ، وهو موضوع : (( التكفير قبل التفكير )) ، أردت من خلاله إلى التنبيه على أن هناك من يكفر ويطلق هذه الألفاظ الخطيرة دون أن يُلقي لها بالاً وحظه من العلم الشرعي قليل ، ولو عُرضت هذه الأحكام على أحد العلماء السابقين لتوقف وتريث وهو العالم الخريت لما يترتب على هذه الإطلاقات من أحكام في الدينا ، وسلب للدين .
وقد رأيت أن أبدأ بنقل بعض هناتٍ وقع فيها بعض العلماء ، فلم يتبينوا وقد هالتنا أحكامهم فبيناها واستغربنا صدورها عنهم ، ولو ظهر لأحدهم ما ظهر لنا وأحدنا القاريء المحايد لما تفوه بما تفوه به .
ويمكن الإشارة إلى أن غالب هذه الأقوال كان سببها الهوى والانتصار للذات أو الفرقة أو المذهب بحيث لو أننا بينا لمن يتوسع في إطلاق ألفاظ التكفير والتخوين والتفسيق في هذا الزمان بناءً على ذات الرؤية التي حاكمنا إليها هذه المقولات الآتية لرمانا بأقذع الأوصاف ، ولرأى فيها تقصداً له ولمنهجه الذي ارتضى ، وما هي والله إلا نصيحة خالصة ننصح بها أنفسنا أولاً ، ثم من يرغب ممن يقرأ كلامنا للحديث الصحيح الذي رويناه عن شيوخنا ومنهم محمد الشاذلي النيفر يرحمه الله تعالى ، عن شيخه عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس وصولاً إلى الإمام مسلم بن الحجاج يرحمه الله في كتابه الجامع الصحيح بسنده المتصل فيه إلى تميم الداري أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الدين النصيحة )) ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم .
وفي البداية أقول : يقف المرء متعجباً وهو يقرأ بعض أقوال العلماء في تكفير آخرين بسبب فتوى أو رأي اجتهادي ، أو الاختلاف في حكم فقهي ، أو اختلاف منزع ومشرب ، ومعلوم أن التكفير يكون لمن أنكر معلوماً من الدين بالضرورة ، أو أتي ناقضاً من نواقض التوحيد بالقول أو الفعل ، بالشروط المعلومة لدى أهل العلم ، أما لأجل اجتهاد أو رأي فهذه لعمري آبدة من الأوابد .
والأسوأ من ذلك أن يؤول كلام المجتهد ثم يكفَّر بناء على ما توصل إليه المتأوِّل ، وسأضرب بعض الأمثلة :
أولها قول ابن أبي ذئب رحمه الله : يستتاب مالك ، عندما ذُكر له أن الإمام مالكاً لا يأخذ بحديث الخيار ، سبحان الله !! أيستتاب لأنه لم يأخذ بحديث قد يكون له في الأخذ به أقوالٌ ، أو يراه منسوخاً أو .....، أو قد يكون كما يرى المالكية أنه مخالف لعمل أهل المدينة ، والمالكية يرون عمل أهل المدينة أقوى حجة من حديث الآحاد، المهم كيف صدرت هذه العبارة من هذا الإمام ؟! لا ريب أنها زلة كبيرة لأن الاستتابة تكون من الردة ولا ردة هنا والله المستعان .
المثال الثاني : ما أورده محمود سعيد ممدوح في رفع المنارة (ص 53ط الأولى ، وص67 ط الثانية ) عن علي القاري في شرحه للشفا حيث قال : (( وقد فرّط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرّم السفر لزيارة النبي r كما فرّط غيره حيث قال : كون الزيارة قربة معلومة من الدين بالضرورة وجاحده محكوم عليه بالكفر ، ولعل الثاني أقرب إلى الصواب لأنَّ تحريم ما أجمع عليه العلماء فيه بالاستحباب يكون كفراً ، لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه في هذا الباب )) .
ونظير هذا القول بالتكفير عند السبكي في ( شفاء السقام : 116 )
وهذه زلة كبيرة من السبكي والقاري ومن وافقهما كصاحب رفع المنارة ، حيث إنهم مالوا إلى التكفير في هذه المسألة الاجتهادية ، وأن المسألة كلها مبنية على تأويل كلام ابن تيمية يرحمه الله ، بل إن صنع القاري يرحمه الله غير صحيح وكلامه غير دقيق ، حيث إنه أخذ هذه المسألة من غير مظانها ولم يرجع إلى كتب شيخ الإسلام مباشرة ، لأنه أي ابن تيمية لا يحرم الزيارة ولا السفر الشرعي ، بل إن كلام شيخ الإسلام يتعلق بشد الرحال والسفر لمجرد زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم إن الكلام برمته بحاجة لتعقب وقد فعلت هذا في كتاب كتبته منذ سنوات ولم يُطبع بعد وهو (( الإنارة لبيان حال أحاديث الزيارة والرد عل صاحب رفع المنارة )) .
إذاً ابتدأ الكلام بسوء فهم لمقصد شيخ الإسلام ابن تيمية ، ثم بتأويل لكلامه المحرف ، ثم تكفير بناء على هذا التأويل الفاسد ، وأمام هذا ليس لنا إلا الحوقلة والحسبلة من هؤلاء ، ثم تحذير الناس من مجاراتهم والأخذ بهكذا أقوال أو النسج على هذا المنوال .
المثال الثالث : ما ذكره ابن حجر في ( الجواب الجليل :ص18 منسوختي ) عن القاضي أبي بكر بن العربي في شرح الموطأ فقال : ووقعت في شرح الموطأ للقاضي أبي بكر بن العربي لمَّا تكلَّم في البيوع على حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه ، قال : هي صحيفةٌ صحيحة ، وإنما تركها من تركها لقولهم إنها غير مسموعة ، وهذا لا يمنع من الاحتجاج ، وقد كان عند أولاد تميم الدَّري كتاب النبي r في قطعة أديمٍ ؛ بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أقطع محمد رسول الله تميماً الدَّاري ، أقطعه قريتي حبرون ، وبيت عينون ، بلدي الخليل ، فبقي ذلك في يده ، ويد أهله إلى أن غلب الفِِرنج على القدس والخليل سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة .
قال : ولقد اعترض بعض الولاة على آل تميمٍ أيام كنت بالشام ، وأراد انتزاعها منهم ، فحضر القاضي حامد الهروي الحنفي ، فاحتج الدَّاريون بالكتاب ، فقال القاضي : هذا الكتاب ليس بلازمٍ ، لأنَّ النبي r أقطع ما لا يملك ، فاستفتى الوالي الفقهاء وكان الطُّوسي _ يعني الغزالي _ حينئذٍ ببيت المقدس فقال : هذا القاضي كافرٌ ، فإنَّ النبي r قال : (( زُويت لي الأرض كلها )) ، وكان يُقطع في الجنة فيقول : (( قصر كذا لفلان )) ، فوعده صدق ، وعطاؤه حقٌّ ، قال : فخزي القاضي والوالي ، وبقي آل تميمٍ على ما بأيديهم .
قلت - ابن حجر - : وقد وقفت على أصل هذه القصة التي أشار إليها ابن العربي في كتاب ((قانون التأويل)) للغزالي ، وهو كتابٌ جمعه القاضي أبو بكر بن العربي من فوائد الغزالي ، ونصُّه في هذا الموضع : ما قوله أدام الله علوه فيما أقطع رسول الله r تميماً الدَّاري من الشام قبل أن يملكه أهل الإسلام ؟ ما وجه صحته مع أنَّه جرى قبل الملك ؟ ولم يتصل به القبض ، ولم يجرِ تحديد محل الإقطاع ؟ وهل يجوز للإمام أن ينزع ذلك من آل تميم ؟ ومتى يحصل الملك للمُقْطَع ؟
فأجاب : ذلك الإقطاع صحيح لتميمٍ ، ومنتقلٌ إلى أعقابه ، ووقت حصول الملك عند تسليم الإمام المستولي على ملك الأرض له ذلك .
ووجه صحته أنَّ النبي r كان مختصاً بالصفايا من المغنم ، حتى كان يختار من المغنم ما يريد ، ويدفع ملك المسلمين عنه بعد استيلائهم عليه ، فكذلك كان له أن يستثني بقعة من ديار الكفر عن ملك المسلمين ، ويُعيِّنها لبعض المسلمين فتصير ملكاً له ، ويكون سبب الملك ؛ تسليم الإمام بأمر رسول الله r وهي من التخصيصات قبل الاستيلاء ، وليس ذلك لغيره من الأئمة ، فإن كان r مطَّلعاً بالوحي على ما [8أ]سيُملَك في المستقبل وعلى وجه المصلحة في التخصيص والاستثناء ، وغير ذلكولا يطلع عليه غيره .
وأما قول من قال:لا يصح إقطاعه لأنه قبل الملك ، فهو كفرٌ محضٌ ، لأنه يُقال له: هل حلَّ لرسول الله r ما فعل ؟ أوكان ظالماً بتصرفه ؟
فإن جعله ظالماً كفر ، وإن قال : بل حلَّ له ذلك ، قيل: فعلم أنَّ ذلك يحصل أو لا ؟ فإن جهله كفر ، وإن قال : إنَّه علم ، لكن علم أنَّه لا يحصل ، قيل له : فلا يبقى إلا أنَّه أقدم عليه مع علمه ببطلانه فيطيِّب قلب من سأله بما لا يحصل له ، فهذا من الخداع والتلبيس ، ومن نسبه إلى ذلك فقد كفر .
والطامة الحقيقية عندما وقف مؤلف كتاب (( تميم ابن أوس الداري وعلاقته بالأرض المقدسة )) وقال : إن الغزالي يكفر منكر الإقطاع – أي إقطاع تميم حبرى وبيت عينون - !! سبحان الله كيف يكون الفهم !!
فالغزالي لم يكفر لمجرد إنكار الإقطاع لأن الإقطاع ورد من عدة أحاديث أحسنها حالاً فيه راو ضعيف وانقطاع في سنده ، ومع ذلك فنحن لا نوافق الغزالي في تكفيره لهذا القاضي سيما وأنه تأول كلامه ثم كفر بناء على التأويل ولعله لم يُرد المعنى الذي ذكره الغزالي .
هذه أمثلة ونظراؤها كثير كثير تبين لنا كيف يتم تأويل كلام المتكلم ثم تكفيره بناءً على هذا التأويل وهو على كل حال مجتهد في قوله ولو عُرض عليه تأويل المتأول لكلامه لاستعاذ الله منه وأعلن البراءة ، لذا نحن بحاجة إلى التريث عند قراءة أمثال هذه السقطات وأقل ما نفعله تجاهها الرد وتصويب الفهم ، فإن لم نستطع فليس أقل من إماتتها وعدم ترديدها أما الناشئة وأصحاب الأغراض ، والله
سأل أن يجنبنا الزلل والزيغ في القول والعمل.،
هذه نقولات تبين كيف أن تأول كلام المتكلم وتكفيره بناء على ذلك ولا شك أنه سيتبين لكل ذي لب ونظر فساد هذا المسلك ، ولو قارناه بما يجري الآن وما يتداوله الناس في الساحة الإسلامية لوجدنا منه الكثير ، ولأثقلنا هذه التذكرة بكثرة النقول ، والبيب تكفيه الإشارة .
للحديث صلة إن شاء الله تعالى ...........
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
فهذه نقولات أخذتها من كتب أهل العلم أتبعها بإشارة لموضوع سبق أن وضعته هنا في هذا المنتدى ، وهو موضوع : (( التكفير قبل التفكير )) ، أردت من خلاله إلى التنبيه على أن هناك من يكفر ويطلق هذه الألفاظ الخطيرة دون أن يُلقي لها بالاً وحظه من العلم الشرعي قليل ، ولو عُرضت هذه الأحكام على أحد العلماء السابقين لتوقف وتريث وهو العالم الخريت لما يترتب على هذه الإطلاقات من أحكام في الدينا ، وسلب للدين .
وقد رأيت أن أبدأ بنقل بعض هناتٍ وقع فيها بعض العلماء ، فلم يتبينوا وقد هالتنا أحكامهم فبيناها واستغربنا صدورها عنهم ، ولو ظهر لأحدهم ما ظهر لنا وأحدنا القاريء المحايد لما تفوه بما تفوه به .
ويمكن الإشارة إلى أن غالب هذه الأقوال كان سببها الهوى والانتصار للذات أو الفرقة أو المذهب بحيث لو أننا بينا لمن يتوسع في إطلاق ألفاظ التكفير والتخوين والتفسيق في هذا الزمان بناءً على ذات الرؤية التي حاكمنا إليها هذه المقولات الآتية لرمانا بأقذع الأوصاف ، ولرأى فيها تقصداً له ولمنهجه الذي ارتضى ، وما هي والله إلا نصيحة خالصة ننصح بها أنفسنا أولاً ، ثم من يرغب ممن يقرأ كلامنا للحديث الصحيح الذي رويناه عن شيوخنا ومنهم محمد الشاذلي النيفر يرحمه الله تعالى ، عن شيخه عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس وصولاً إلى الإمام مسلم بن الحجاج يرحمه الله في كتابه الجامع الصحيح بسنده المتصل فيه إلى تميم الداري أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الدين النصيحة )) ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم .
وفي البداية أقول : يقف المرء متعجباً وهو يقرأ بعض أقوال العلماء في تكفير آخرين بسبب فتوى أو رأي اجتهادي ، أو الاختلاف في حكم فقهي ، أو اختلاف منزع ومشرب ، ومعلوم أن التكفير يكون لمن أنكر معلوماً من الدين بالضرورة ، أو أتي ناقضاً من نواقض التوحيد بالقول أو الفعل ، بالشروط المعلومة لدى أهل العلم ، أما لأجل اجتهاد أو رأي فهذه لعمري آبدة من الأوابد .
والأسوأ من ذلك أن يؤول كلام المجتهد ثم يكفَّر بناء على ما توصل إليه المتأوِّل ، وسأضرب بعض الأمثلة :
أولها قول ابن أبي ذئب رحمه الله : يستتاب مالك ، عندما ذُكر له أن الإمام مالكاً لا يأخذ بحديث الخيار ، سبحان الله !! أيستتاب لأنه لم يأخذ بحديث قد يكون له في الأخذ به أقوالٌ ، أو يراه منسوخاً أو .....، أو قد يكون كما يرى المالكية أنه مخالف لعمل أهل المدينة ، والمالكية يرون عمل أهل المدينة أقوى حجة من حديث الآحاد، المهم كيف صدرت هذه العبارة من هذا الإمام ؟! لا ريب أنها زلة كبيرة لأن الاستتابة تكون من الردة ولا ردة هنا والله المستعان .
المثال الثاني : ما أورده محمود سعيد ممدوح في رفع المنارة (ص 53ط الأولى ، وص67 ط الثانية ) عن علي القاري في شرحه للشفا حيث قال : (( وقد فرّط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرّم السفر لزيارة النبي r كما فرّط غيره حيث قال : كون الزيارة قربة معلومة من الدين بالضرورة وجاحده محكوم عليه بالكفر ، ولعل الثاني أقرب إلى الصواب لأنَّ تحريم ما أجمع عليه العلماء فيه بالاستحباب يكون كفراً ، لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه في هذا الباب )) .
ونظير هذا القول بالتكفير عند السبكي في ( شفاء السقام : 116 )
وهذه زلة كبيرة من السبكي والقاري ومن وافقهما كصاحب رفع المنارة ، حيث إنهم مالوا إلى التكفير في هذه المسألة الاجتهادية ، وأن المسألة كلها مبنية على تأويل كلام ابن تيمية يرحمه الله ، بل إن صنع القاري يرحمه الله غير صحيح وكلامه غير دقيق ، حيث إنه أخذ هذه المسألة من غير مظانها ولم يرجع إلى كتب شيخ الإسلام مباشرة ، لأنه أي ابن تيمية لا يحرم الزيارة ولا السفر الشرعي ، بل إن كلام شيخ الإسلام يتعلق بشد الرحال والسفر لمجرد زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم إن الكلام برمته بحاجة لتعقب وقد فعلت هذا في كتاب كتبته منذ سنوات ولم يُطبع بعد وهو (( الإنارة لبيان حال أحاديث الزيارة والرد عل صاحب رفع المنارة )) .
إذاً ابتدأ الكلام بسوء فهم لمقصد شيخ الإسلام ابن تيمية ، ثم بتأويل لكلامه المحرف ، ثم تكفير بناء على هذا التأويل الفاسد ، وأمام هذا ليس لنا إلا الحوقلة والحسبلة من هؤلاء ، ثم تحذير الناس من مجاراتهم والأخذ بهكذا أقوال أو النسج على هذا المنوال .
المثال الثالث : ما ذكره ابن حجر في ( الجواب الجليل :ص18 منسوختي ) عن القاضي أبي بكر بن العربي في شرح الموطأ فقال : ووقعت في شرح الموطأ للقاضي أبي بكر بن العربي لمَّا تكلَّم في البيوع على حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه ، قال : هي صحيفةٌ صحيحة ، وإنما تركها من تركها لقولهم إنها غير مسموعة ، وهذا لا يمنع من الاحتجاج ، وقد كان عند أولاد تميم الدَّري كتاب النبي r في قطعة أديمٍ ؛ بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أقطع محمد رسول الله تميماً الدَّاري ، أقطعه قريتي حبرون ، وبيت عينون ، بلدي الخليل ، فبقي ذلك في يده ، ويد أهله إلى أن غلب الفِِرنج على القدس والخليل سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة .
قال : ولقد اعترض بعض الولاة على آل تميمٍ أيام كنت بالشام ، وأراد انتزاعها منهم ، فحضر القاضي حامد الهروي الحنفي ، فاحتج الدَّاريون بالكتاب ، فقال القاضي : هذا الكتاب ليس بلازمٍ ، لأنَّ النبي r أقطع ما لا يملك ، فاستفتى الوالي الفقهاء وكان الطُّوسي _ يعني الغزالي _ حينئذٍ ببيت المقدس فقال : هذا القاضي كافرٌ ، فإنَّ النبي r قال : (( زُويت لي الأرض كلها )) ، وكان يُقطع في الجنة فيقول : (( قصر كذا لفلان )) ، فوعده صدق ، وعطاؤه حقٌّ ، قال : فخزي القاضي والوالي ، وبقي آل تميمٍ على ما بأيديهم .
قلت - ابن حجر - : وقد وقفت على أصل هذه القصة التي أشار إليها ابن العربي في كتاب ((قانون التأويل)) للغزالي ، وهو كتابٌ جمعه القاضي أبو بكر بن العربي من فوائد الغزالي ، ونصُّه في هذا الموضع : ما قوله أدام الله علوه فيما أقطع رسول الله r تميماً الدَّاري من الشام قبل أن يملكه أهل الإسلام ؟ ما وجه صحته مع أنَّه جرى قبل الملك ؟ ولم يتصل به القبض ، ولم يجرِ تحديد محل الإقطاع ؟ وهل يجوز للإمام أن ينزع ذلك من آل تميم ؟ ومتى يحصل الملك للمُقْطَع ؟
فأجاب : ذلك الإقطاع صحيح لتميمٍ ، ومنتقلٌ إلى أعقابه ، ووقت حصول الملك عند تسليم الإمام المستولي على ملك الأرض له ذلك .
ووجه صحته أنَّ النبي r كان مختصاً بالصفايا من المغنم ، حتى كان يختار من المغنم ما يريد ، ويدفع ملك المسلمين عنه بعد استيلائهم عليه ، فكذلك كان له أن يستثني بقعة من ديار الكفر عن ملك المسلمين ، ويُعيِّنها لبعض المسلمين فتصير ملكاً له ، ويكون سبب الملك ؛ تسليم الإمام بأمر رسول الله r وهي من التخصيصات قبل الاستيلاء ، وليس ذلك لغيره من الأئمة ، فإن كان r مطَّلعاً بالوحي على ما [8أ]سيُملَك في المستقبل وعلى وجه المصلحة في التخصيص والاستثناء ، وغير ذلكولا يطلع عليه غيره .
وأما قول من قال:لا يصح إقطاعه لأنه قبل الملك ، فهو كفرٌ محضٌ ، لأنه يُقال له: هل حلَّ لرسول الله r ما فعل ؟ أوكان ظالماً بتصرفه ؟
فإن جعله ظالماً كفر ، وإن قال : بل حلَّ له ذلك ، قيل: فعلم أنَّ ذلك يحصل أو لا ؟ فإن جهله كفر ، وإن قال : إنَّه علم ، لكن علم أنَّه لا يحصل ، قيل له : فلا يبقى إلا أنَّه أقدم عليه مع علمه ببطلانه فيطيِّب قلب من سأله بما لا يحصل له ، فهذا من الخداع والتلبيس ، ومن نسبه إلى ذلك فقد كفر .
والطامة الحقيقية عندما وقف مؤلف كتاب (( تميم ابن أوس الداري وعلاقته بالأرض المقدسة )) وقال : إن الغزالي يكفر منكر الإقطاع – أي إقطاع تميم حبرى وبيت عينون - !! سبحان الله كيف يكون الفهم !!
فالغزالي لم يكفر لمجرد إنكار الإقطاع لأن الإقطاع ورد من عدة أحاديث أحسنها حالاً فيه راو ضعيف وانقطاع في سنده ، ومع ذلك فنحن لا نوافق الغزالي في تكفيره لهذا القاضي سيما وأنه تأول كلامه ثم كفر بناء على التأويل ولعله لم يُرد المعنى الذي ذكره الغزالي .
هذه أمثلة ونظراؤها كثير كثير تبين لنا كيف يتم تأويل كلام المتكلم ثم تكفيره بناءً على هذا التأويل وهو على كل حال مجتهد في قوله ولو عُرض عليه تأويل المتأول لكلامه لاستعاذ الله منه وأعلن البراءة ، لذا نحن بحاجة إلى التريث عند قراءة أمثال هذه السقطات وأقل ما نفعله تجاهها الرد وتصويب الفهم ، فإن لم نستطع فليس أقل من إماتتها وعدم ترديدها أما الناشئة وأصحاب الأغراض ، والله
سأل أن يجنبنا الزلل والزيغ في القول والعمل.،
هذه نقولات تبين كيف أن تأول كلام المتكلم وتكفيره بناء على ذلك ولا شك أنه سيتبين لكل ذي لب ونظر فساد هذا المسلك ، ولو قارناه بما يجري الآن وما يتداوله الناس في الساحة الإسلامية لوجدنا منه الكثير ، ولأثقلنا هذه التذكرة بكثرة النقول ، والبيب تكفيه الإشارة .
للحديث صلة إن شاء الله تعالى ...........