محمد بن سعد
July 15th, 2011, 14:19
الشباب العرب نجحوا حيث فشلت الحركات الإسلامية
http://www.nowlebanon.com/ContentPictures/leader-420-072709100727.jpg
ديفيد جاردنر (http://www.nowlebanon.com/NewsArchiveDetails.aspx?ID=105891)
لم تمض سوى ستة أشهر، ومع ذلك بدأت الاستعارات تظهر بصوت أجش يزعج السمع. لقد دخل الربيع العربي صيفا طويلا وحارا. وفي رأي بعض المعلقين يتجه إلى تجمد عميق في الشتاء. هناك شيء غير مدروس بشأن وجهة النظر هذه، التي تبدو تواقة إلى النظام القديم في الشرق الأوسط، وربما تريد أن تستبدل به نظاما يشبه الحالة الراهنة ولكن بشكل أخف.
لكن هل سار التوق المكبوت من أجل التغيير في العالم العربي في مسار خاطئ إلى هذا الحد؟ لم يكن هناك ولا حتى احتمال بعيد لأن يكون الانتقال من الأنظمة الاستبدادية الراسخة، المدعومة غالبا من قبل الغرب، سوى حدث فوضوي وطويل وعنيف في الغالب. ويعتبر إسقاط نظامي بن علي ومبارك بنجاح في تونس ومصر سلميا - وكان بالفعل سلميا مقارنة بالصراعات الحالية في سورية وليبيا. ومع ذلك، في مصر مثلا، في حين كانت أساليب الثوار في ميدان التحرير غير عنيفة، لقي 850 شخصاً مصرعهم على يد قوات النظام، وفقا للأرقام الرسمية.
وفي تونس، بدأت عناصر من النظام القديم بإعادة تنظيم صفوفها، كما يحدث في مصر، حيث لا يزال المجلس العسكري يتولى زمام الأمور. ولا يزال هناك كثير مما يجب فعله قبل أن تصبح أي من الدولتين على طريق ثابت نحو الديمقراطية. لكن هذا مثلا، لا يختلف كثيرا عن حالة إسبانيا في مرحلة ما بعد موت فرانكو عام 1975.
وفي سورية وليبيا، يبدو في حكم المؤكد أنه سيكون هناك مزيد من إراقة الدماء في المستقبل. إلا أن قواعد السلطة لعشيرتي القذافي والأسد بدأت تضيق، في حين تتوسع المعارضة ويزيد تنسيقها. ويبدو أن الخوف الحقيقي الكامن وراء نبوءات الرافضين هو أن يأتي الإسلاميون إلى السلطة في جميع أنحاء المنطقة. ويتم في كثير من الأحيان تقديم النجاح الانتخابي لحماس في فلسطين وحزب الله في لبنان، ومجموعة من الأحزاب الإسلامية في العراق، دليلا على ذلك. صحيح أنه بعد أن نظف الديكتاتوريون المدعومون من قبل الغرب الطيفَ السياسي من جميع المنشقين، دون أن يتركوا لمعارضيهم الفرصة للجوء إلى أي مكان سوى المساجد والمدارس الدينية، ثم منحوا بعض الحرية للمؤسسات الدينية لمنحهم الشرعية وتطويق الإسلاميين، كان لا بد أن يكون لمستقبل السياسة العربية مسحة إسلامية.
ومع ذلك، تشير الأدلة التجريبية من الانتخابات إلى أن الحركات الإسلامية تَجهَد في سبيل الحصول على أكثر من 15 ـ 25 في المائة من الأصوات في المنافسات المفتوحة (التي من المعروف أنها غير متساوية في جودتها ونزاهتها). وينطبق هذا من المغرب إلى إندونيسيا، وفي الأردن أو مصر حيث أوجدت حركة الإخوان المسلمين موطئ قدم لا بأس به. وهناك استثناءات. ففي المناطق التي اكتسبت فيها حركة ما هالة حركة المقاومة، سواء للاحتلال أو للنظام الراسخ الفاسد - مثل حماس في فلسطين، أو حزب الله في لبنان، أو الصدريين في العراق - يمكن لنجاحها الانتخابي تخطي هذا الاتجاه. إلا أن هذه ''الميزة'' لم تعد مضمونة.
حتى تستفيد الحركات من ذلك لا بد أن يكون أداؤها جيدا. فلا يمكن لناخبيها أن يأكلوا الشعارات. إلا أن الخطر الرئيس على ''ميزة المقاومة'' هذه هو، بالطبع، الحركات الجماعية للشباب التي ظهرت - خارج مسارات الإسلاميين والأنظمة - التي قلبت النظام الاستبدادي. فهم يفعلون ما فشلت فيه عقود من النشاط الإسلامي.
على الأرجح، سيحقق الإخوان المسلمون في مصر وحزب النهضة في تونس نتائج لا بأس بها في الانتخابات التي ستُجرى في وقت متأخر من هذا العام، لكن الناخبين في البلدين يعلمون أن هاتين الحركتين شعرتا بالتردد قبل الانضمام إلى الانتفاضة. ويمكن للحركات الإسلامية التي تدخل التيار الرئيس للسياسة الديمقراطية أن تكون عوامل مساعدة تساهم في تحفيز المعارضة والمنافسة.
وخلال العقد الماضي في تركيا، استطاع حزب العدالة والتنمية الناجح، الذي يتحول بصورة متزايدة إلى مرحلة ما بعد النزعة الإسلامية، شق الهيكل السياسي المتحجر وفتْحه عنوة وأكره المؤسسة الكمالية ''المشردة'' على قبول حقيقة أنه ليس بمقدورها تغيير الحكومات إلا من خلال صندوق الاقتراع، وليس من خلال الجنرالات والقضاة. وبعد أن انتصرت حماس على فتح في الانتخابات عام 2006 اضطرت المؤسسة الوطنية الفلسطينية إلى التحول من اختلاس الأموال العامة لمصلحتها الذاتية إلى بناء الدولة وتوحيد الهوية الفلسطينية في سبيل العودة إلى اللعبة السياسية.
لكن النقطة المهمة هي أن الاستبداد والنزعة الإسلامية، في ظل النظام القديم، كانا يتغذيان على بعضهما بعضاً. ليس هناك ما يدعو إلى التحسر والبكاء على ذهاب هذا التعايش الطفيلي الشاذ. هناك الكثير مما يدعو إلى الاحتفال في حقيقة أنه رغم جميع الصعوبات الكبيرة يوجد، ضمن الطبقات الوسطى الشابة الديناميكية في عالم عربي يسير في طريق اليقظة، ديمقراطيون يمكن التعامل معهم بصورة ديمقراطية.
http://www.nowlebanon.com/ContentPictures/leader-420-072709100727.jpg
ديفيد جاردنر (http://www.nowlebanon.com/NewsArchiveDetails.aspx?ID=105891)
لم تمض سوى ستة أشهر، ومع ذلك بدأت الاستعارات تظهر بصوت أجش يزعج السمع. لقد دخل الربيع العربي صيفا طويلا وحارا. وفي رأي بعض المعلقين يتجه إلى تجمد عميق في الشتاء. هناك شيء غير مدروس بشأن وجهة النظر هذه، التي تبدو تواقة إلى النظام القديم في الشرق الأوسط، وربما تريد أن تستبدل به نظاما يشبه الحالة الراهنة ولكن بشكل أخف.
لكن هل سار التوق المكبوت من أجل التغيير في العالم العربي في مسار خاطئ إلى هذا الحد؟ لم يكن هناك ولا حتى احتمال بعيد لأن يكون الانتقال من الأنظمة الاستبدادية الراسخة، المدعومة غالبا من قبل الغرب، سوى حدث فوضوي وطويل وعنيف في الغالب. ويعتبر إسقاط نظامي بن علي ومبارك بنجاح في تونس ومصر سلميا - وكان بالفعل سلميا مقارنة بالصراعات الحالية في سورية وليبيا. ومع ذلك، في مصر مثلا، في حين كانت أساليب الثوار في ميدان التحرير غير عنيفة، لقي 850 شخصاً مصرعهم على يد قوات النظام، وفقا للأرقام الرسمية.
وفي تونس، بدأت عناصر من النظام القديم بإعادة تنظيم صفوفها، كما يحدث في مصر، حيث لا يزال المجلس العسكري يتولى زمام الأمور. ولا يزال هناك كثير مما يجب فعله قبل أن تصبح أي من الدولتين على طريق ثابت نحو الديمقراطية. لكن هذا مثلا، لا يختلف كثيرا عن حالة إسبانيا في مرحلة ما بعد موت فرانكو عام 1975.
وفي سورية وليبيا، يبدو في حكم المؤكد أنه سيكون هناك مزيد من إراقة الدماء في المستقبل. إلا أن قواعد السلطة لعشيرتي القذافي والأسد بدأت تضيق، في حين تتوسع المعارضة ويزيد تنسيقها. ويبدو أن الخوف الحقيقي الكامن وراء نبوءات الرافضين هو أن يأتي الإسلاميون إلى السلطة في جميع أنحاء المنطقة. ويتم في كثير من الأحيان تقديم النجاح الانتخابي لحماس في فلسطين وحزب الله في لبنان، ومجموعة من الأحزاب الإسلامية في العراق، دليلا على ذلك. صحيح أنه بعد أن نظف الديكتاتوريون المدعومون من قبل الغرب الطيفَ السياسي من جميع المنشقين، دون أن يتركوا لمعارضيهم الفرصة للجوء إلى أي مكان سوى المساجد والمدارس الدينية، ثم منحوا بعض الحرية للمؤسسات الدينية لمنحهم الشرعية وتطويق الإسلاميين، كان لا بد أن يكون لمستقبل السياسة العربية مسحة إسلامية.
ومع ذلك، تشير الأدلة التجريبية من الانتخابات إلى أن الحركات الإسلامية تَجهَد في سبيل الحصول على أكثر من 15 ـ 25 في المائة من الأصوات في المنافسات المفتوحة (التي من المعروف أنها غير متساوية في جودتها ونزاهتها). وينطبق هذا من المغرب إلى إندونيسيا، وفي الأردن أو مصر حيث أوجدت حركة الإخوان المسلمين موطئ قدم لا بأس به. وهناك استثناءات. ففي المناطق التي اكتسبت فيها حركة ما هالة حركة المقاومة، سواء للاحتلال أو للنظام الراسخ الفاسد - مثل حماس في فلسطين، أو حزب الله في لبنان، أو الصدريين في العراق - يمكن لنجاحها الانتخابي تخطي هذا الاتجاه. إلا أن هذه ''الميزة'' لم تعد مضمونة.
حتى تستفيد الحركات من ذلك لا بد أن يكون أداؤها جيدا. فلا يمكن لناخبيها أن يأكلوا الشعارات. إلا أن الخطر الرئيس على ''ميزة المقاومة'' هذه هو، بالطبع، الحركات الجماعية للشباب التي ظهرت - خارج مسارات الإسلاميين والأنظمة - التي قلبت النظام الاستبدادي. فهم يفعلون ما فشلت فيه عقود من النشاط الإسلامي.
على الأرجح، سيحقق الإخوان المسلمون في مصر وحزب النهضة في تونس نتائج لا بأس بها في الانتخابات التي ستُجرى في وقت متأخر من هذا العام، لكن الناخبين في البلدين يعلمون أن هاتين الحركتين شعرتا بالتردد قبل الانضمام إلى الانتفاضة. ويمكن للحركات الإسلامية التي تدخل التيار الرئيس للسياسة الديمقراطية أن تكون عوامل مساعدة تساهم في تحفيز المعارضة والمنافسة.
وخلال العقد الماضي في تركيا، استطاع حزب العدالة والتنمية الناجح، الذي يتحول بصورة متزايدة إلى مرحلة ما بعد النزعة الإسلامية، شق الهيكل السياسي المتحجر وفتْحه عنوة وأكره المؤسسة الكمالية ''المشردة'' على قبول حقيقة أنه ليس بمقدورها تغيير الحكومات إلا من خلال صندوق الاقتراع، وليس من خلال الجنرالات والقضاة. وبعد أن انتصرت حماس على فتح في الانتخابات عام 2006 اضطرت المؤسسة الوطنية الفلسطينية إلى التحول من اختلاس الأموال العامة لمصلحتها الذاتية إلى بناء الدولة وتوحيد الهوية الفلسطينية في سبيل العودة إلى اللعبة السياسية.
لكن النقطة المهمة هي أن الاستبداد والنزعة الإسلامية، في ظل النظام القديم، كانا يتغذيان على بعضهما بعضاً. ليس هناك ما يدعو إلى التحسر والبكاء على ذهاب هذا التعايش الطفيلي الشاذ. هناك الكثير مما يدعو إلى الاحتفال في حقيقة أنه رغم جميع الصعوبات الكبيرة يوجد، ضمن الطبقات الوسطى الشابة الديناميكية في عالم عربي يسير في طريق اليقظة، ديمقراطيون يمكن التعامل معهم بصورة ديمقراطية.