علوان
June 4th, 2011, 16:38
نتائج غير حميدة للأجر المرتبط بالأداء
ريتشارد ليارد
يعتبر إيجاد طرق عادلة وفعالة لدفع أجور المديرين التنفيذيين مشكلة كبيرة، في كل من القطاعين العام والخاص. ويبتكر كثير من الشركات، وبشكل متزايد الحكومات، رزم أجور معقدة بهدف تحفيز قادتها على الأداء. ويعتقد بعضهم أن الحل هو الأجور المستندة إلى الأداء الفردي السنوي. لكن، لا سيما في القطاع العام، هذا موضع شك كبير.
وبالطبع، المستوى العام للأجور مهم، فهو يؤثر على اختيار المهنة والوظيفة. ولا بد أن تكون الترقيات أيضا على أساس الجدارة، بحيث يحصل أفضل الناس على معظم المسؤولية والأجر الذي يناسبها. والتقييم التطلعي الدقيق أمر حيوي أيضا. وهذا يختلف عن التقييم السنوي الذي يركز على الماضي - وما إذا كان أداؤك جيدا بما فيه الكفاية بحيث تستحق مكافأة.
وفي مراجعة بتكليف من الحكومة البريطانية، دعا ويل هاتن أخيرا، إلى نظام أكثر تطورا للأجور المرتبطة بالأداء لكبار موظفي الخدمة المدنية. وبموجب نظام هاتن، الأفضل يحصل على المزيد، في حين تتراجع أجور من هم دون المستوى. لكن بالنسبة للوظائف التي تعتمد على العمل الجماعي، مثل تلك التي في الوزارات أو الشركات الكبيرة، ليس هناك دليل يذكر يشير إلى نجاح الأجور المحفزة، القائمة على أساس فردي. وفي الواقع هناك كثير من الأدلة ضدها.
وعلى وجه التحديد، يثير هذا النوع من الضبط الدقيق للأجور على المستوى السنوي أربع مشاكل على الأقل. الأولى، الإحباط. فمن الرائع أن يتم الاعتراف بجهودك، لكن من المحبط للغاية أن لا يتحقق هذا. وتبين البحوث أن تقييم محكّمين مختلفين تكون نتيجته في الغالب تفضيل أشخاص مختلفين - لذا ليس من المستغرب أن تنشأ مشاعر بالظلم المرير. ويعرف الجميع أن نظام الترقيات ضروري، إلا أن الأجور المرتبطة بالأداء السنوي، التي تصنف الزملاء إلى فئات، تؤدي إلى توترات غير ضرورية. وينبغي أن يكون التعاون، لا المنافسة، هو الثقافة السائدة.
ودون وجود الأجور المرتبطة بالأداء، فإن الحافزين الرئيسيين للعمل الجيد هما الرغبة في الحصول على الاحترام والهيبة في وظيفتك. ويفترض المؤيدون للأجور المرتبطة بالأداء أن هذه الدوافع لن تتأثر لو تم إضافة حافز ثالث، هو السعي للحصول على أجر إضافي. إلا أن هذا غير صحيح. وفي الواقع هناك أدلة نفسية كثيرة تشير إلى أن تقديم مكافآت قصيرة الأجل يشتت انتباه الناس. وتبين هذه التجارب أن المكافآت قصيرة الأجل فعالة للعمل الروتيني، ولكن ليس لحل المشاكل، إذ يكون أداء أولئك الذين يتم دفع المال لهم لتصحيح الأمور أسوأ في الواقع من أولئك الذين لا يتم الدفع لهم.
وتبين تجارب أخرى أن دفع المال للناس لقاء القيام بأمر ما من شأنه في الواقع تقليل دوافعهم الأخرى للقيام به - المثال الأوضح هنا هو التبرع بالدم الذي ينخفض غالبا حين ينطوي الأمر على دفع المال. ومن الصعب على بعض الاقتصاديين أن يفهموا أن الطبيعة البشرية أكثر تعقيدا من نماذجهم. لكن معظم الناس يحبون أن يشعروا أنهم يعطون من تلقاء أنفسهم ويعطون أكثر من المتوقع.
وحتى في القطاع الخاص هناك كثير من الشركات الناجحة التي لا تستخدم حوافز فردية على الإطلاق، وعددها في تزايد.
مثلا، شركة زابوس، أكبر شركة للأحذية على الإنترنت في العالم، تعمل بالكامل على نظام من عشر نقاط يصف الكيفية التي يجب أن تتصرف بها، بهدف أن تكون النتيجة هي رضا الزبائن والزملاء. ويتم امتحان المتقدمين بطلبات العمل لمعرفة ما إذا كانوا يقبلون بهذا النظام، ويتم عرض ألفي دولار لأولئك الذين ينجحون في فترة التجربة، إذا اختاروا الرحيل. وعدد قليل جدا يختار الرحيل. وفي الواقع لدى هذه الشركة طلبات أكثر من هارفارد (بحسب عدد الأماكن)، وقد اشترتها أخيرا أمازون مقابل أكثر من مليار دولار.
واستبدلت شركات أخرى الحوافز المالية الفردية بحوافز تستند إلى أداء فريق ما، أو الشركة بأكملها. وفي كتاب جديد بعنوان Shared Capitalism at Work، يبين المؤلفون أن أكثر من ثلث العاملين الأمريكيين يشاركون في مثل هذه المخططات لتقاسم الأرباح، وترتبط هذه بمشاركة أكبر من جانب الموظفين وبأداء أفضل.
ويثير الأجر القائم على الأداء الفردي إشكالية، خصوصا في القطاع العام. فهل نريد موظفي خدمة مدنية مطواعين، يسعون دائما للموافقة قصيرة الأجل، أو أشخاصاً يسعون بحماس لتحقيق الصالح العام حتى لو كان ذلك ينطوي على كشف حقائق مزعجة؟
المقترحات التي من هذا القبيل من جانب هاتن يمكن كذلك أن تضر التوظيف في الخدمة المدنية. فهو يعتقد أنها قد تحسنها، لكنني أشك في ذلك. ولا شك أن المستوى العام للأجور مهم، لكن الثقافة مهمة أيضا. وسيتدفق الأشخاص المناسبين إلى الخدمة المدنية لو كانوا يتوقعون أن يتم منحهم المسؤولية والانتماء للإدارة التي يعملون فيها.
وينطبق الشيء نفسه على مجال الشركات. فالطريقة لتشجيع الأداء القوي في القطاعين العام والخاص على حد سواء هي تحفيز وتقييم الناس على نحو صحيح، دون إيجاد أشخاص ذوي أداء ممتاز وآخرين ذوي أداء ضعيف. وقد يحب المستشارون ذلك، لكن بالنسبة لبقيتنا مثل هذا الضبط المالي الدقيق لن يفيد كثيرا.
الكاتب المدير المؤسس لمركز الأداء الاقتصادي في مدرسة لندن للاقتصاد، ومؤلف :
كتاب : السعادة Happiness
ريتشارد ليارد
يعتبر إيجاد طرق عادلة وفعالة لدفع أجور المديرين التنفيذيين مشكلة كبيرة، في كل من القطاعين العام والخاص. ويبتكر كثير من الشركات، وبشكل متزايد الحكومات، رزم أجور معقدة بهدف تحفيز قادتها على الأداء. ويعتقد بعضهم أن الحل هو الأجور المستندة إلى الأداء الفردي السنوي. لكن، لا سيما في القطاع العام، هذا موضع شك كبير.
وبالطبع، المستوى العام للأجور مهم، فهو يؤثر على اختيار المهنة والوظيفة. ولا بد أن تكون الترقيات أيضا على أساس الجدارة، بحيث يحصل أفضل الناس على معظم المسؤولية والأجر الذي يناسبها. والتقييم التطلعي الدقيق أمر حيوي أيضا. وهذا يختلف عن التقييم السنوي الذي يركز على الماضي - وما إذا كان أداؤك جيدا بما فيه الكفاية بحيث تستحق مكافأة.
وفي مراجعة بتكليف من الحكومة البريطانية، دعا ويل هاتن أخيرا، إلى نظام أكثر تطورا للأجور المرتبطة بالأداء لكبار موظفي الخدمة المدنية. وبموجب نظام هاتن، الأفضل يحصل على المزيد، في حين تتراجع أجور من هم دون المستوى. لكن بالنسبة للوظائف التي تعتمد على العمل الجماعي، مثل تلك التي في الوزارات أو الشركات الكبيرة، ليس هناك دليل يذكر يشير إلى نجاح الأجور المحفزة، القائمة على أساس فردي. وفي الواقع هناك كثير من الأدلة ضدها.
وعلى وجه التحديد، يثير هذا النوع من الضبط الدقيق للأجور على المستوى السنوي أربع مشاكل على الأقل. الأولى، الإحباط. فمن الرائع أن يتم الاعتراف بجهودك، لكن من المحبط للغاية أن لا يتحقق هذا. وتبين البحوث أن تقييم محكّمين مختلفين تكون نتيجته في الغالب تفضيل أشخاص مختلفين - لذا ليس من المستغرب أن تنشأ مشاعر بالظلم المرير. ويعرف الجميع أن نظام الترقيات ضروري، إلا أن الأجور المرتبطة بالأداء السنوي، التي تصنف الزملاء إلى فئات، تؤدي إلى توترات غير ضرورية. وينبغي أن يكون التعاون، لا المنافسة، هو الثقافة السائدة.
ودون وجود الأجور المرتبطة بالأداء، فإن الحافزين الرئيسيين للعمل الجيد هما الرغبة في الحصول على الاحترام والهيبة في وظيفتك. ويفترض المؤيدون للأجور المرتبطة بالأداء أن هذه الدوافع لن تتأثر لو تم إضافة حافز ثالث، هو السعي للحصول على أجر إضافي. إلا أن هذا غير صحيح. وفي الواقع هناك أدلة نفسية كثيرة تشير إلى أن تقديم مكافآت قصيرة الأجل يشتت انتباه الناس. وتبين هذه التجارب أن المكافآت قصيرة الأجل فعالة للعمل الروتيني، ولكن ليس لحل المشاكل، إذ يكون أداء أولئك الذين يتم دفع المال لهم لتصحيح الأمور أسوأ في الواقع من أولئك الذين لا يتم الدفع لهم.
وتبين تجارب أخرى أن دفع المال للناس لقاء القيام بأمر ما من شأنه في الواقع تقليل دوافعهم الأخرى للقيام به - المثال الأوضح هنا هو التبرع بالدم الذي ينخفض غالبا حين ينطوي الأمر على دفع المال. ومن الصعب على بعض الاقتصاديين أن يفهموا أن الطبيعة البشرية أكثر تعقيدا من نماذجهم. لكن معظم الناس يحبون أن يشعروا أنهم يعطون من تلقاء أنفسهم ويعطون أكثر من المتوقع.
وحتى في القطاع الخاص هناك كثير من الشركات الناجحة التي لا تستخدم حوافز فردية على الإطلاق، وعددها في تزايد.
مثلا، شركة زابوس، أكبر شركة للأحذية على الإنترنت في العالم، تعمل بالكامل على نظام من عشر نقاط يصف الكيفية التي يجب أن تتصرف بها، بهدف أن تكون النتيجة هي رضا الزبائن والزملاء. ويتم امتحان المتقدمين بطلبات العمل لمعرفة ما إذا كانوا يقبلون بهذا النظام، ويتم عرض ألفي دولار لأولئك الذين ينجحون في فترة التجربة، إذا اختاروا الرحيل. وعدد قليل جدا يختار الرحيل. وفي الواقع لدى هذه الشركة طلبات أكثر من هارفارد (بحسب عدد الأماكن)، وقد اشترتها أخيرا أمازون مقابل أكثر من مليار دولار.
واستبدلت شركات أخرى الحوافز المالية الفردية بحوافز تستند إلى أداء فريق ما، أو الشركة بأكملها. وفي كتاب جديد بعنوان Shared Capitalism at Work، يبين المؤلفون أن أكثر من ثلث العاملين الأمريكيين يشاركون في مثل هذه المخططات لتقاسم الأرباح، وترتبط هذه بمشاركة أكبر من جانب الموظفين وبأداء أفضل.
ويثير الأجر القائم على الأداء الفردي إشكالية، خصوصا في القطاع العام. فهل نريد موظفي خدمة مدنية مطواعين، يسعون دائما للموافقة قصيرة الأجل، أو أشخاصاً يسعون بحماس لتحقيق الصالح العام حتى لو كان ذلك ينطوي على كشف حقائق مزعجة؟
المقترحات التي من هذا القبيل من جانب هاتن يمكن كذلك أن تضر التوظيف في الخدمة المدنية. فهو يعتقد أنها قد تحسنها، لكنني أشك في ذلك. ولا شك أن المستوى العام للأجور مهم، لكن الثقافة مهمة أيضا. وسيتدفق الأشخاص المناسبين إلى الخدمة المدنية لو كانوا يتوقعون أن يتم منحهم المسؤولية والانتماء للإدارة التي يعملون فيها.
وينطبق الشيء نفسه على مجال الشركات. فالطريقة لتشجيع الأداء القوي في القطاعين العام والخاص على حد سواء هي تحفيز وتقييم الناس على نحو صحيح، دون إيجاد أشخاص ذوي أداء ممتاز وآخرين ذوي أداء ضعيف. وقد يحب المستشارون ذلك، لكن بالنسبة لبقيتنا مثل هذا الضبط المالي الدقيق لن يفيد كثيرا.
الكاتب المدير المؤسس لمركز الأداء الاقتصادي في مدرسة لندن للاقتصاد، ومؤلف :
كتاب : السعادة Happiness