شقردية طيبة
January 17th, 2011, 13:40
الشيخ عادل الكلباني : فوبيا المرأة !
كانت المرأة في الجاهلية مصدر شؤم وخوف من مصيبة تلسع سمعة أبيها، أو أخيها، فكان من نتيجة هذه النخوة أن وأد الجاهليون بناتهم !
وجاء الدين الحنيف ليرفع من قدر المرأة إلى مقام لم تعرفه المرأة في كل العُصُر والحضارات التي سبقت ظهور الإسلام ؛ لأنها الأم الحنون، والأخت العطوف، والبنت الغالية، والزوجة الحبيبة.
ولكن، يأبى كثير من ( الغيورين ) ! إلا أن يعيدوا الأمر إلى سابق عهده، توجسا وخوفا من مصيبة متوقعة، فعاد وأد البنات، لكنه اليوم ليس دفنا في التراب، وإنما دفن لقيمتها، ولحريتها، دفن لإنسانيتها، ولكرامتها، والمصيبة أنه يصبغ اليوم بصبغة دينية، ويتدثر بلباس شرعي !
والحقيقة المرة أن المرأة في أذهان كثيرين - ممن يرون أنهم أشد غيرة عليها ممن شرع لها الدين، وخلقها من ضلع آدم، لتكون له سكنا، ونص على أنهن شقائق الرجال - أضحت عندهم مصدرا للقلق، والريبة، والتوجس، خشية الانفلات،
ففي كل نشاط تريد أن تمارسه تتهم بأنها لا محالة ستفسد أخلاقها، وتتخلى عن طهارتها، وتنزع جلباب الحياء، وتجلب العار لأهلها !
فلويت أعناق النصوص ليحكم الخناق على الفتاة المسلمة فلم تدع لها متنفسا تستنشق منه هواء نقيا ! وأوصدت عليها أبوابا من حديد، وحكم عليها بالسجن المؤبد، لتقضي عمرها تقبع في بيتها كي لا يراها الآخرون ! فما الناس – في أذهانهم - إلا ذئاب مفترسة تتربص بطرف عباءة أنثى لتصطادها، وتلتهمها لقمة سائغة.
فغدت المرأة كابوسا مزعجا يحرم صاحبه من أحلامه الوردية، يفزعه من نومه متوقعا الفساد، والعار والشنار، أين ذهبت، ماذا فعلت ؟؟؟ فلكي يهنأ في نومه، ويرتاح باله، شدد عليها الحصار؛ إذ ليس لها مثل في عقله إلا مثل شاحنة الوقود يمنع الاقتراب منها، ويجب الابتعاد عنها ما لا يقل عن مئة متر !!!
ف ( حماية ) لها، و(صيانة ) لعرضها، و( خوفا ) عليها، لا بد أن ( يسد ) كل باب ( قد ) يكون طريقا لفساد أخلاقها، وذريعة لاستلاب حيائها وعفتها، حتى ولو كان حلالا، ولا يملك على حرمته برهانا، فليوصد، وليغلق بأقفال لا تفتح، بل بأقفال لا مفاتيح لها !!!
هذه عقلية كثير منا، والفكر الذي منه ينطلقون، وعليه يعتمدون، وهو الطرح الحضاري الذي نقدمه ليكون مثالا على سمو الرسالة التي نحملها !!! والتي أسست على العدل، وبنيت على الحق.
ولا تحتاج إلى أن تمعن النظر لترى أن هذه العقلية لا تختلف كثيرا عن عقلية عرب الجاهلية الذين لم يعرفوا الإسلام، واعتمدوا على عادات وتقاليد ترسخ مفهوم الجهل الذي يعيشونه، وترسم واقع التخلف الذي يلفهم، ويحكم قبضته على عقولهم وتفكيرهم.
وحاشا شريعة الإسلام التي جاءت مخلصة للناس من الوساوس، والقيم البالية، المتممة لمكارم الأخلاق، حاشاها أن تقدم هذا الفكر الذي يرعب أبناءه فضلا عن غيرهم ممن ترغب أن تدعوهم إلى قيمها، وأخلاقها، وتحوطهم بيسرها وعدلها، وسماحتها.
هناك نصوص تستحلب لتكون مرتكزا لذهنية علقت بها آثار الجاهلية الأولى، يرفعها ( الغيورون ) في وجه كل من أراد أن يخرج المرأة من قمقمهم، وأن يفتح لها كوة تتنفس منها الصعداء !
فيقولون مثلا : أليس الله تعالى يقول (وقرن في بيوتكن). فإن قلت : هذا خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا : بل هو عام لكل النساء، من باب أولى.
ولو أنصفوا لوجدوا في كتاب الله تعالى قوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا) ويؤكده قول الحبيب صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : خذوا عني. خذوا عني. قد جعل الله لهن سبيلا. البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم. رواه مسلم.
فهذا في حق النساء الواقعات في الرذيلة، المفسدات للدين والأخلاق، وهو دليل على أن حبس النساء في البيوت عقوبة، لا تكريم ؟ فليس الحبس لكل النساء، بل لمن فعلت الفاحشة، وليس كل امرأة، لمجرد كونها امرأة تعاقب فتحبس في البيوت، حتى يتوفاها الموت، أو يجعل الله لها سبيلا.
إن كثيرين منا يعانون عقدا تبرز باسم الدين على الآخرين؛ ليصدروا منها أحكاما تغلق عليهم منافذ الحياة الواسعة التي شرعها الإسلام.
ولعل سببا آخر ساهم في خلق مثل هذا الشعور تجاه المرأة، ألا وهو الإحساس المتأصل فيهم برغبة الآخرين في الانحراف الأخلاقي، وشعورهم بموت ولا أقول ضعف الوازع الديني الذي يكف عن الوقوع فيما لا يرضي الله تبارك وتعالى.
وسبب آخر له صلة وثيقة بهذا وهو إحساسهم بالعجز عن التربية الإيمانية التي كان ينبغي أن تخالط شغاف القلب المسلم، لتكون هي الرادع الأكبر عن الوقوع في المعصية، وتنمي فيه مراقبة الله تعالى في كل حين.
كان هذا أجمل بنا من الوثوب من أول وهلة على عتبة التحريم في كل شيء لا يروق لنا، ثم نذهب بعد ذلك لنعصر عقولنا التي لم تعتد على التفكير المنطقي، علها أن تسعفنا بشيء يبرر لنا مواقفنا، ويغطي جاهليتنا بالشرعية والغيرة !
ولقد وصلنا في باب ( سد الذرائع ) حدا من ( اللا معقول )، حتى بات الخوف من أن لا تستحي المرأة من المرأة، أو أن نوقع المرأة التي تخجل في الحرج، سببا للتحريم وعلة له ، حين أعيتنا الحيلة في إيجاد الدليل من الكتاب أو السنة.
فكم بررنا آراءنا ، فأدخلناها من هذا الباب الذي وسع كل مشكلة أعيانا حلها، ولم نجد لها نصا من كتاب أو من سنة، أو من قياس، أو إجماع، سوى ما فتح اليوم من باب سد الذرائع الذي ما بين مصراعيه أبعد مما بين مكة وهجر، ولهذا عدنا إلى وأد البنات، الذي عجزنا عنه حسيا، فبادرنا إليه معنويا، والله المستعان.
-
المصدر - جريدة الرياض
الله يحفظك يا شيخ ويكثر من أمثالك ويرحم والديك ويكرمك بنور وجهه الكريم
موضوع جميل حبروزه واعلقه وسط المجلس
كانت المرأة في الجاهلية مصدر شؤم وخوف من مصيبة تلسع سمعة أبيها، أو أخيها، فكان من نتيجة هذه النخوة أن وأد الجاهليون بناتهم !
وجاء الدين الحنيف ليرفع من قدر المرأة إلى مقام لم تعرفه المرأة في كل العُصُر والحضارات التي سبقت ظهور الإسلام ؛ لأنها الأم الحنون، والأخت العطوف، والبنت الغالية، والزوجة الحبيبة.
ولكن، يأبى كثير من ( الغيورين ) ! إلا أن يعيدوا الأمر إلى سابق عهده، توجسا وخوفا من مصيبة متوقعة، فعاد وأد البنات، لكنه اليوم ليس دفنا في التراب، وإنما دفن لقيمتها، ولحريتها، دفن لإنسانيتها، ولكرامتها، والمصيبة أنه يصبغ اليوم بصبغة دينية، ويتدثر بلباس شرعي !
والحقيقة المرة أن المرأة في أذهان كثيرين - ممن يرون أنهم أشد غيرة عليها ممن شرع لها الدين، وخلقها من ضلع آدم، لتكون له سكنا، ونص على أنهن شقائق الرجال - أضحت عندهم مصدرا للقلق، والريبة، والتوجس، خشية الانفلات،
ففي كل نشاط تريد أن تمارسه تتهم بأنها لا محالة ستفسد أخلاقها، وتتخلى عن طهارتها، وتنزع جلباب الحياء، وتجلب العار لأهلها !
فلويت أعناق النصوص ليحكم الخناق على الفتاة المسلمة فلم تدع لها متنفسا تستنشق منه هواء نقيا ! وأوصدت عليها أبوابا من حديد، وحكم عليها بالسجن المؤبد، لتقضي عمرها تقبع في بيتها كي لا يراها الآخرون ! فما الناس – في أذهانهم - إلا ذئاب مفترسة تتربص بطرف عباءة أنثى لتصطادها، وتلتهمها لقمة سائغة.
فغدت المرأة كابوسا مزعجا يحرم صاحبه من أحلامه الوردية، يفزعه من نومه متوقعا الفساد، والعار والشنار، أين ذهبت، ماذا فعلت ؟؟؟ فلكي يهنأ في نومه، ويرتاح باله، شدد عليها الحصار؛ إذ ليس لها مثل في عقله إلا مثل شاحنة الوقود يمنع الاقتراب منها، ويجب الابتعاد عنها ما لا يقل عن مئة متر !!!
ف ( حماية ) لها، و(صيانة ) لعرضها، و( خوفا ) عليها، لا بد أن ( يسد ) كل باب ( قد ) يكون طريقا لفساد أخلاقها، وذريعة لاستلاب حيائها وعفتها، حتى ولو كان حلالا، ولا يملك على حرمته برهانا، فليوصد، وليغلق بأقفال لا تفتح، بل بأقفال لا مفاتيح لها !!!
هذه عقلية كثير منا، والفكر الذي منه ينطلقون، وعليه يعتمدون، وهو الطرح الحضاري الذي نقدمه ليكون مثالا على سمو الرسالة التي نحملها !!! والتي أسست على العدل، وبنيت على الحق.
ولا تحتاج إلى أن تمعن النظر لترى أن هذه العقلية لا تختلف كثيرا عن عقلية عرب الجاهلية الذين لم يعرفوا الإسلام، واعتمدوا على عادات وتقاليد ترسخ مفهوم الجهل الذي يعيشونه، وترسم واقع التخلف الذي يلفهم، ويحكم قبضته على عقولهم وتفكيرهم.
وحاشا شريعة الإسلام التي جاءت مخلصة للناس من الوساوس، والقيم البالية، المتممة لمكارم الأخلاق، حاشاها أن تقدم هذا الفكر الذي يرعب أبناءه فضلا عن غيرهم ممن ترغب أن تدعوهم إلى قيمها، وأخلاقها، وتحوطهم بيسرها وعدلها، وسماحتها.
هناك نصوص تستحلب لتكون مرتكزا لذهنية علقت بها آثار الجاهلية الأولى، يرفعها ( الغيورون ) في وجه كل من أراد أن يخرج المرأة من قمقمهم، وأن يفتح لها كوة تتنفس منها الصعداء !
فيقولون مثلا : أليس الله تعالى يقول (وقرن في بيوتكن). فإن قلت : هذا خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا : بل هو عام لكل النساء، من باب أولى.
ولو أنصفوا لوجدوا في كتاب الله تعالى قوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا) ويؤكده قول الحبيب صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : خذوا عني. خذوا عني. قد جعل الله لهن سبيلا. البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم. رواه مسلم.
فهذا في حق النساء الواقعات في الرذيلة، المفسدات للدين والأخلاق، وهو دليل على أن حبس النساء في البيوت عقوبة، لا تكريم ؟ فليس الحبس لكل النساء، بل لمن فعلت الفاحشة، وليس كل امرأة، لمجرد كونها امرأة تعاقب فتحبس في البيوت، حتى يتوفاها الموت، أو يجعل الله لها سبيلا.
إن كثيرين منا يعانون عقدا تبرز باسم الدين على الآخرين؛ ليصدروا منها أحكاما تغلق عليهم منافذ الحياة الواسعة التي شرعها الإسلام.
ولعل سببا آخر ساهم في خلق مثل هذا الشعور تجاه المرأة، ألا وهو الإحساس المتأصل فيهم برغبة الآخرين في الانحراف الأخلاقي، وشعورهم بموت ولا أقول ضعف الوازع الديني الذي يكف عن الوقوع فيما لا يرضي الله تبارك وتعالى.
وسبب آخر له صلة وثيقة بهذا وهو إحساسهم بالعجز عن التربية الإيمانية التي كان ينبغي أن تخالط شغاف القلب المسلم، لتكون هي الرادع الأكبر عن الوقوع في المعصية، وتنمي فيه مراقبة الله تعالى في كل حين.
كان هذا أجمل بنا من الوثوب من أول وهلة على عتبة التحريم في كل شيء لا يروق لنا، ثم نذهب بعد ذلك لنعصر عقولنا التي لم تعتد على التفكير المنطقي، علها أن تسعفنا بشيء يبرر لنا مواقفنا، ويغطي جاهليتنا بالشرعية والغيرة !
ولقد وصلنا في باب ( سد الذرائع ) حدا من ( اللا معقول )، حتى بات الخوف من أن لا تستحي المرأة من المرأة، أو أن نوقع المرأة التي تخجل في الحرج، سببا للتحريم وعلة له ، حين أعيتنا الحيلة في إيجاد الدليل من الكتاب أو السنة.
فكم بررنا آراءنا ، فأدخلناها من هذا الباب الذي وسع كل مشكلة أعيانا حلها، ولم نجد لها نصا من كتاب أو من سنة، أو من قياس، أو إجماع، سوى ما فتح اليوم من باب سد الذرائع الذي ما بين مصراعيه أبعد مما بين مكة وهجر، ولهذا عدنا إلى وأد البنات، الذي عجزنا عنه حسيا، فبادرنا إليه معنويا، والله المستعان.
-
المصدر - جريدة الرياض
الله يحفظك يا شيخ ويكثر من أمثالك ويرحم والديك ويكرمك بنور وجهه الكريم
موضوع جميل حبروزه واعلقه وسط المجلس