محمد بن سعد
November 9th, 2010, 18:10
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع قرأته اليوم ،،،
أحببت ان لا ازيد عليه شيئا
-
الإسلام يحض على العمل والكسب الحلال ولا فرق بين الرجل والمرأة
الشريعة أوجدت حلولاً لعمل المرأة «محاسبة» في الأسواق المزدحمة بالمتسوقين
بقلم: د. عبداللطيف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الشيخ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
http://s.alriyadh.com/2010/11/09/img/169737890033.jpgمنذ عهد النبوة والوحي يتنزل وللمرأة وجود ونشاط في المجتمع المدني، ولها إسهامات في بناء مجتمعها أقرها عليه الشرع المطهر، شاركت في بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الرجال، وهاجرت وجاهدت وعملت وتاجرت وطببت ومرَضت وصنعت وزرعت، وقامت برعاية الأسرة والعناية بالأولاد والزوج. وللمرأة في صدر الإسلام مكانة رفيعة وإسهامات كبيرة في إثراء النهضة العلمية والفكرية والأدبية والاقتصادية والصناعية، وبرز في مراحل التاريخ الإسلامي الأولى الآلاف من النسوة النابغات والمتفوقات في شتى العلوم وفروع المعرفة.
لو تصفحنا كتاب «الإصابة في تمييز الصحابة» للحافظ بن حجر - رحمه الله تعالى - لوجدناه دون أكثر من ألف وخمس مئة اسم امرأة منهن المحدثات والفقيهات، وغيرهن ممن برع من النساء وتميز وكذلك كتاب الإمام النووي - رحمه الله- «تهذيب الأسماء واللغات» وكتاب السخاوي «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» وغيرهم ممن صنف في كتب الطبقات والتراجم.
" عمل المرأة مُباح
إلا عملاً محرماً لذاته أو مكانه،
والاختلاط البريء لا يمنعها "
إن الإسلام كرم الإنسان الرجل والمرأة على حد سواء وما أعطاه الإسلام للرجل أعطاه للمرأة وقد أعطى للمرأة الحرية الكاملة في التصرف المشروع في مالها إذا كانت راشدة مثل ما أعطى الرجل تماماً ولها أيضاً حق اختيار العمل أو المهنة التي تميل إليها وليس فيها مخالفة لنص شرعي كما أعطاها المشرع الحق في قبول الخاطب أو رفضه، كما أعطاها الحق بطلب فسخ عقد الزواج إذا لم تحصل على حقها المقصود من العقد أو كرهت الزوج لسبب، كما حرم الله سبحانه وتعالى عضلها أو منعها من أي حق من حقوقها إلا بمسوغ شرعي ظاهر مثلها في ذلك مثل الرجل في الحقوق والواجبات وإن بدا شيء من الفروق في بعض التكاليف أو الواجبات بين الرجل والمرأة فإن ذلك بسبب الخصائص التي ميز الله تعالى بها الرجال عن النساء والعكس وهذه ليست نقيصة ولا سبباً لسلب حق من حقوق المرأة التي خلقها الله سبحانه وتعالى مثل الرجل لعبادته وحده وعمارة أرضه جل جلاله.
لقد استحوذت قضية عمل المرأة وسعيها للكسب الحلال وأصبحت الشغل الشاغل لكثير من أبناء الوطن العزيز علماء وساسة وكتاباً وعموم الناس، وهي قضية كفانا الشرع المطهر الاهتمام بها، وإيجاد الضوابط المناسبة لها، والكافلة لمن أخذ بها وسار على هديها السعادة والطمأنينة في الدنيا والفوز والنجاة في الآخرة، وتفرع عن قضية عمل المرأة محل الأخذ والرد قضية أخرى وهي عمل المرأة محاسبة «كاشير» في الأسواق التجارية الكبيرة التي يرتادها في اليوم الآلاف من الرجال والنساء، ونالت هذه القضية الكثير من اللغط وعدم الفهم للمراد من عمل وارتزاق المرأة من هذه المهنة، وبعد تردد مني بالخوض في هذه القضية استخرت الله سبحانه وتعالى ورأيت أن من أداء الأمانة العلمية والقيام بالواجب الذي يُبرئ الذمة أن أبحث هذه المسألة من جميع الأوجه باحثاً عن الحكم الشرعي الذي يزيل اللبس ويرفع الغشاوة التي تدفع الشبهة وتحقق المطلوب بالدليل الشرعي من كتاب الله تعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن خلال البحث اتضح لي وظهر أن عمل المرأة «محاسبة» في الأسواق المذكورة المزدحمة بالمتسوقين هو نشاط وعمل كغيره من الأنشطة والأعمال التي أوجدت لها الشريعة حلولاً وجعلت لها ضوابط وشروطاً لبعض الصور والأغراض، ولذا نرى أن الشريعة الإسلامية جعلت الأصل في كل شيء الإباحة إلا ما ورد فيه نص من الكتاب أو السنّة أو أجمعت على تحريمه الأمة، كما أن الشرع المطهر لم يأت بالحرج والمشقة بل أتى برفعهما، كما أن الأحكام شُرعت لمصالح العباد، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «فحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله تعالى».
أم المؤمنين خديجة بنت خويلد
نموذجاً للمرأة التي حصنت
الإسلام بثروتها وحكمتها
لم يرد في الشريعة الإسلامية ما يمنع عمل المرأة في التجارة أو غيرها من الأعمال المحترمة، والثابت الصحيح أن النساء في صدر الإسلام كن يبعن ويشترين باحتشام وتحفظ من إبداء الزينة، ومارسن كل المهن المشروعة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والوحي ينزل وهي تعمل في مجالات عدة من تجارة وطب وتعليم وصناعة، كما أنهن شاركن في العمل العسكري، ولم تكن المرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مهمشة ممنوعة من ممارسة دورها الطبيعي أو مهضومة الحق، وكما هو معلوم إلى عهد قريب في أسواق الرياض مثل «المقيبرة» و«سوق المدعى» في مكة المكرمة وغيرها من المدن الأخرى التي كانت النسوة يمارسن فيه البيع والشراء في شتى السلع على نطاق واسع، ولم يحصل أن أنكر عليهن أحد من المعتبرين في العلم أو الدولة حرسها الله، بل هُيئت لهن الأماكن التي تساعدهن على تيسير عملهن وكن متساويات مع الرجال في إتاحة الفرصة لهن بالتجارة والعمل للكسب الحلال.
والخطاب الشرعي موجه للرجل والمرأة على حد سواء في التكاليف الشرعية وفي الأوامر والنواهي:
قال الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، سورة التوبة، الآية ١٠٥.
وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) سورة النساء، الآية ٢٩.
وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) سورة المائدة الآية ١.
وقال الله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً) سورة النساء: ٧.
وقال الله تعالى: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) (النساء ٣٢).
وقال الله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها) سورة البقرة، الآية ٢٨٢.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما» أخرجه البخاري في كتاب البيوع. قال صلى الله عليه وسلم مما روى الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها: «إنما النساء شقائق الرجال».
روى أبوهريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أقال نادماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة» صحيح ابن حبان كتاب البيوع باب الإقالة.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً» رواه الترمذي.
فالنصوص من الكتاب والسنّة تشير إلى الذكر والأنثى جميعاً ولم تستثن أحداً منهما في الخطاب والتوجيه الذي يبين ويوضح الطريق المستقيم.
ورعاية للمرأة وحفظاً لها من الامتهان والابتذال وحتى لا تكون لقمة سائغة للمفسدين والمتسلطين وضعاف العقول، ولأن الشريعة الإسلامية تحض على العمل والكسب الحلال ولا تمنع أحداً من ذلك رجالاً أو نساء، فهم على حدد سواء إلا أنها لم تترك الناس فوضى بل وضعت حدوداً وضوابط تكفل وتضمن للملتزم بها من أن يقع في المحذور، كما أن الشريعة شاملة وكاملة فلم تترك شأناً من شؤون الرجل والمرأة إلا وبينت حكم الله فيه، إما عن طريق مصادر التشريع الأصل وهي كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة والقياس، أو عن طريق باقي مصادر التشريع كالمصالح المرسلة والاستحسان.. الخ، لقد وضعت معالم وأطر هي بمثابة السياج المنيع الذي يحفظ كرامة المرأة ويحميها من أن تكون مطية لشهوة منحرف أو نزوة خبيث يفقدها عفتها وطهرها ونقاءها، ويوقع المجتمع في الانحلال والفساد.
وعمل المرأة مباح إلا عملاً محرماً لذاته أو مكانه، أما العمل المختلط اختلاطاً بريئاً عارضاً لا ريبة فيه ولا يتحقق وقوع الفساد فيه، مثل أن تعمل المرأة محاسبة في الأسواق الكبيرة التي يرتادها من الناس الكثير كما أن هذه الأسواق تحت رقابة ومتابعة ذاتية مستمرة بالأجهزة المرئية المسجلة وتحت رقابة الدولة وفقها الله تعالى من قبل الجهات الحكومية المخولة مثل هيئات الحسبة ووزارة العمل وغيرها.
وكما هو معلوم أن هذه الأسواق حريصة على سمعتها ومكانتها ولا يباع فيها إلا المباح أجد أن هذه الموظفة التي تعمل فيها محاسبة «كاشير» يجري عليها الأحكام الشرعية التالية:
١- الحالة الأولى:
أن تكون المرأة محتاجة للعمل لكسب رزقها ولسد حاجتها أو حاجة والديها أو أسرتها وليس لديها خيار آخر أو بديل يسد حاجتها وهي ملتزمة بالضوابط الشرعية، ومنها:
١- إذن ولي الأمر أو الزوج لزوجه.
٢- أن يكون العمل المراد الخروج لأجله غير محرم، ولا اختلاط فيه ريبة ولا خلوة فيه لأنها محرمة.
٣- أن يكون الخروج للحاجة للعمل وطلب الرزق الحلال.
٤- أن يكون العمل لحاجة لها أو لمجتمعها.
٥- ألا يكون الخروج للعمل فيه إضاعة لحق الأولاد أو الزوج.
٦- أن تلتزم المرأة بالحجاب وعدم إبداء الزينة أو التعطر أو يبدو منها ما يغري أو يفتن الرجل، والاتزان في حركاتها ومشيتها والخضوع في القول والتحدث.
٧- الابتعاد عن مواطن الريبة وصحبة السوء والالتزام بالأمانة والصدق.
٨- وقبل ذلك وبعده أن تحرص على مراقبة الله ومخافته في السر والعلن.
فهذه المرأة يجوز لها مزاولة هذا العمل ولا تثريب عليها إن شاء الله.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما: «يسرا ولا تعسرا» رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار» حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً.
«ما جاز لعذر بطل بزواله» الأشباه والنظائر للسيوطي صفحة ٨٥. و«الضرورات تبيح المحظورات» قواعد الفقه ص٨٩ للبركتي.
٢- الحالة الثانية:
إذا كانت المرأة ملتزمة بالضوابط الشرعية آنفة الذكر ولم تجد عملاً غير هذا العمل من غير حاجة ولديها ما يغنيها ويدفع الحاجة عنها فإن ممارستها لهذا العمل لا يخرج الحكم عن إطار الكراهة ومن ترك شيئاً لله عوضه الله بخير منه. قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب» سورة الطلاق آية ٢-٣.
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال «ما من عبد ترك شيئاً لله إلا أبدله الله به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب..» رواه أبو نعيم في الحلية.
وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك لا تدع شيئاً اتقاء الله تعالى إلا أعطاك الله عز وجل خيراً منه» رواه أحمد وإسناده صحيح ورواه البيهقي ووكيع.
٣- الحالة الثالثة:
إذا كانت راغبة العمل في هذه المهنة غير قادرة على الالتزام بالضوابط الشرعية أو معروفة بذلك فإن عملها بالأسواق يعتبر محرماً، ومن يمكنها من العمل آثم ويحرم عليه ذلك.
وأفضل عمل تقوم به المرأة ويناسب طبيعتها أن تقر في بيتها وتقوم بشؤون زوجها وأولادها، ولا يكون العمل خارج البيت إلا لحاجة لها أو حاجة ملحة لمجتمعها. قال تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) سورة الأحزاب، الآية ٣٣.
وهذا الخطاب موجه إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين تبعاً لهن في ذلك.
ومن النماذج الطيبة الطاهرة في الصدر الأول للإسلام، أمهات المؤمنين وغيرهن من المؤمنات، فالسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها حصنت الإسلام بثروتها وحكمتها. لا سنّة للنساء في ممارسة التجارة أظهر وأهدى من الاقتداء بسيدتنا خديجة بنت خويلد التي كانت من أصحاب رؤوس الأموال في مكة. فقد كانت لها تجارة تبعث بها إلى الشام حتى أن عيرها كانت كعامة عير قريش، تستأجر لها الرجال يجلبون لها المتاع فيبيعونه وتجازيهم عوضاً عن ذلك. فقد خرج في عيرها خير الرجال صلى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة وقالت له: أعطيك ضعف ما أعطي قومك وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج إلى سوق بصرى وباع سلعته التي خرج بها، واشترى غيرها وربحت ضعف ما كانت تربح. فأربحت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم ضعف ما سمت له.. الإصابة في تمييز الصحابة، «٤/٨١».
وفي ترجمة قيلة أم بني أنمار - من طبقات ابن سعد - أنها قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المروة ليحل بعمرة من عمره، فجئت أتوكأ على عصا حتى جلست إليه فقلت: يا رسول الله إني امرأة، أبيع وأشتري فربما أردت أن أشتري سلعة، وأعطي فيها أقل مما أريد أن آخذها به، وربما أردت أن أبيع السلعة فاستمت بها أكثر مما أريد أن أبيعها به ثم نقصت ثم نقصت حتى أبيعها بالذي أريد أن أبيعها به. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلي هكذا يا قيلة ولكن إذا أردت أن تشتري شيئاً فأعطي به الذي تريدين أن تأخذيه به أعطيت أو منعت، وإذا أردت أن تبيعي شيئاً فاستأمي الذي تريدين أن تبيعيه به أعطيت أو منعت. رواه البخاري في التاريخ وابن ماجه وابن سعد في الطبقات.
كانت «الشفاء بنت عبدالله العدوية» واسمها ليلى من المبايعين الأوائل ومن المهاجرين وكانت تعد من أعقل الصحابيات قال عنها ابن حجر: كانت من عقلاء النساء وفضلائهن وكان رسول الله يأتيها ويقيل عندها في بيتها.. كان عمر يقدّمها في الرأي ويرعاها ويفضلّها وربما ولاّها شيئاً من أمر السوق.. «الإصابة ٨/١٢٦».
وإضافة إلى الشفاء التي كانت تعتبر من خيرة صحابيات الرسول، وقد عملت امرأة أخرى تدعى «سمراء بنت نهيك» كانت تتصدى للحسبة في السوق.
فعن أبي بلج يحيى بن سليم قال: «رأيت سمراء بنت نهيك - وكانت قد أدركت النبي عليها درع غليظ وخمار غليظ، بيدها سوط تؤدب الناس، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر»، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٩/٢٦٤) بإسناد جوده الألباني وقال الهيثمي (٩/٢٦٤) ورجاله ثقات.
وذكر الإمام ابن عبدالبر في الاستيعاب في ترجمة الصحابية الجليلة سمراء بنت نهيك الأسدية «أدركت رسول الله وعمرت وكانت تمر في الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها» الاستيعاب، ابن عبدالبر، (٤/١٨٦٣).
وكانت النسوة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يمرضن ويداوين ومن أشهرهن الربيع بنت معوذ بن عفراء التي كانت تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته لمعالجة الجرحى وكذلك رفيدة الأنصارية التي كانت لها خيمة بجوار المسجد تعالج فيها الجرحى من الصحابة رضي الله عنها، وحديث علاجها لسعد بن معاذ رضي الله عنه مشهور معروف، وأم عمارة الأنصارية رضي الله عنها نسيبة بنت كعب رضي الله عنها وموقفها العظيم في القتال يوم أحد، وكذلك أم سليم رضي الله عنها وموقفها يوم حنين، ويوم أحد مع عائشة رضي الله عنهما، وكل مواطن صالح يساهم في إيجاد فرص عمل لإخوانه المواطنين وأخواته مأجور بإذن الله متى ما أخلص النية وأوجد البيئة الإسلامية المنضبطة بالضوابط الشرعية التي تمنع من الوقوع في السوء والخطيئة والآثام. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» رواه مسلم بهذا اللفظ. انتهى...
الكاتب في سطور
د. عبداللطيف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب (آل الشيخ) التميمي.
مختصر السيرة الذاتية:
أ- المؤهلات العلمية:
١- بكالوريوس كلية الشريعة بالرياض عام ١٣٩٣/١٣٩٤ه.
٢- ماجستير من المعهدد العالي للقضاء تخصص فقه مقارن عام ١٤٠٣/١٤٠٤ه بتقدير جيد جداً.
٣- شهادة الدكتوراه علوم إسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مع مرتبة الشرف الأولى والتوصية بطباعة الرسالة وتبادلها مع الجامعات العالمية عام ١٤١٧ه.
ب- الوظائف التي عمل بها:
١- سكرتير.
٢- مدير عام ادارة التفتيش بالرئاسة العامة لإدارات البحوث بالتكليف.
٣- مساعد أمين ثاني عام هيئة كبار العلماء بالمملكة.
٤- خبير شؤون إسلامية.
٥- مستشار إسلامي.
٦- مستشار خاص لسمو أمير الرياض.
٧- له مشاركات في الأنشطة الإنسانية والخيرية.
ج- طلب إحالته إلى التقاعد المبكر وصدرت الموافقة السامية بتاريخ ٢٦/٨/١٤٢٢ه.
د- له مؤلفات ومنها كتاب بعنوان خصوم الدعوة في العهد المدني ومظاهرها في العصر الحاضر.
وكتاب فقهي بعنوان: الحيازة والتقادم في الفقه الإسلامي مع مقارنة بالقانون الوضعي.
وبحث تحت عنوان: الشرط في الفقه الإسلامي.
كما أن له بعض البحوث الفقهية.
نقلا عن جريدة الرياض هذا الصباح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع قرأته اليوم ،،،
أحببت ان لا ازيد عليه شيئا
-
الإسلام يحض على العمل والكسب الحلال ولا فرق بين الرجل والمرأة
الشريعة أوجدت حلولاً لعمل المرأة «محاسبة» في الأسواق المزدحمة بالمتسوقين
بقلم: د. عبداللطيف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الشيخ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
http://s.alriyadh.com/2010/11/09/img/169737890033.jpgمنذ عهد النبوة والوحي يتنزل وللمرأة وجود ونشاط في المجتمع المدني، ولها إسهامات في بناء مجتمعها أقرها عليه الشرع المطهر، شاركت في بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الرجال، وهاجرت وجاهدت وعملت وتاجرت وطببت ومرَضت وصنعت وزرعت، وقامت برعاية الأسرة والعناية بالأولاد والزوج. وللمرأة في صدر الإسلام مكانة رفيعة وإسهامات كبيرة في إثراء النهضة العلمية والفكرية والأدبية والاقتصادية والصناعية، وبرز في مراحل التاريخ الإسلامي الأولى الآلاف من النسوة النابغات والمتفوقات في شتى العلوم وفروع المعرفة.
لو تصفحنا كتاب «الإصابة في تمييز الصحابة» للحافظ بن حجر - رحمه الله تعالى - لوجدناه دون أكثر من ألف وخمس مئة اسم امرأة منهن المحدثات والفقيهات، وغيرهن ممن برع من النساء وتميز وكذلك كتاب الإمام النووي - رحمه الله- «تهذيب الأسماء واللغات» وكتاب السخاوي «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» وغيرهم ممن صنف في كتب الطبقات والتراجم.
" عمل المرأة مُباح
إلا عملاً محرماً لذاته أو مكانه،
والاختلاط البريء لا يمنعها "
إن الإسلام كرم الإنسان الرجل والمرأة على حد سواء وما أعطاه الإسلام للرجل أعطاه للمرأة وقد أعطى للمرأة الحرية الكاملة في التصرف المشروع في مالها إذا كانت راشدة مثل ما أعطى الرجل تماماً ولها أيضاً حق اختيار العمل أو المهنة التي تميل إليها وليس فيها مخالفة لنص شرعي كما أعطاها المشرع الحق في قبول الخاطب أو رفضه، كما أعطاها الحق بطلب فسخ عقد الزواج إذا لم تحصل على حقها المقصود من العقد أو كرهت الزوج لسبب، كما حرم الله سبحانه وتعالى عضلها أو منعها من أي حق من حقوقها إلا بمسوغ شرعي ظاهر مثلها في ذلك مثل الرجل في الحقوق والواجبات وإن بدا شيء من الفروق في بعض التكاليف أو الواجبات بين الرجل والمرأة فإن ذلك بسبب الخصائص التي ميز الله تعالى بها الرجال عن النساء والعكس وهذه ليست نقيصة ولا سبباً لسلب حق من حقوق المرأة التي خلقها الله سبحانه وتعالى مثل الرجل لعبادته وحده وعمارة أرضه جل جلاله.
لقد استحوذت قضية عمل المرأة وسعيها للكسب الحلال وأصبحت الشغل الشاغل لكثير من أبناء الوطن العزيز علماء وساسة وكتاباً وعموم الناس، وهي قضية كفانا الشرع المطهر الاهتمام بها، وإيجاد الضوابط المناسبة لها، والكافلة لمن أخذ بها وسار على هديها السعادة والطمأنينة في الدنيا والفوز والنجاة في الآخرة، وتفرع عن قضية عمل المرأة محل الأخذ والرد قضية أخرى وهي عمل المرأة محاسبة «كاشير» في الأسواق التجارية الكبيرة التي يرتادها في اليوم الآلاف من الرجال والنساء، ونالت هذه القضية الكثير من اللغط وعدم الفهم للمراد من عمل وارتزاق المرأة من هذه المهنة، وبعد تردد مني بالخوض في هذه القضية استخرت الله سبحانه وتعالى ورأيت أن من أداء الأمانة العلمية والقيام بالواجب الذي يُبرئ الذمة أن أبحث هذه المسألة من جميع الأوجه باحثاً عن الحكم الشرعي الذي يزيل اللبس ويرفع الغشاوة التي تدفع الشبهة وتحقق المطلوب بالدليل الشرعي من كتاب الله تعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن خلال البحث اتضح لي وظهر أن عمل المرأة «محاسبة» في الأسواق المذكورة المزدحمة بالمتسوقين هو نشاط وعمل كغيره من الأنشطة والأعمال التي أوجدت لها الشريعة حلولاً وجعلت لها ضوابط وشروطاً لبعض الصور والأغراض، ولذا نرى أن الشريعة الإسلامية جعلت الأصل في كل شيء الإباحة إلا ما ورد فيه نص من الكتاب أو السنّة أو أجمعت على تحريمه الأمة، كما أن الشرع المطهر لم يأت بالحرج والمشقة بل أتى برفعهما، كما أن الأحكام شُرعت لمصالح العباد، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «فحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله تعالى».
أم المؤمنين خديجة بنت خويلد
نموذجاً للمرأة التي حصنت
الإسلام بثروتها وحكمتها
لم يرد في الشريعة الإسلامية ما يمنع عمل المرأة في التجارة أو غيرها من الأعمال المحترمة، والثابت الصحيح أن النساء في صدر الإسلام كن يبعن ويشترين باحتشام وتحفظ من إبداء الزينة، ومارسن كل المهن المشروعة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والوحي ينزل وهي تعمل في مجالات عدة من تجارة وطب وتعليم وصناعة، كما أنهن شاركن في العمل العسكري، ولم تكن المرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مهمشة ممنوعة من ممارسة دورها الطبيعي أو مهضومة الحق، وكما هو معلوم إلى عهد قريب في أسواق الرياض مثل «المقيبرة» و«سوق المدعى» في مكة المكرمة وغيرها من المدن الأخرى التي كانت النسوة يمارسن فيه البيع والشراء في شتى السلع على نطاق واسع، ولم يحصل أن أنكر عليهن أحد من المعتبرين في العلم أو الدولة حرسها الله، بل هُيئت لهن الأماكن التي تساعدهن على تيسير عملهن وكن متساويات مع الرجال في إتاحة الفرصة لهن بالتجارة والعمل للكسب الحلال.
والخطاب الشرعي موجه للرجل والمرأة على حد سواء في التكاليف الشرعية وفي الأوامر والنواهي:
قال الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، سورة التوبة، الآية ١٠٥.
وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) سورة النساء، الآية ٢٩.
وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) سورة المائدة الآية ١.
وقال الله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً) سورة النساء: ٧.
وقال الله تعالى: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) (النساء ٣٢).
وقال الله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها) سورة البقرة، الآية ٢٨٢.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما» أخرجه البخاري في كتاب البيوع. قال صلى الله عليه وسلم مما روى الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها: «إنما النساء شقائق الرجال».
روى أبوهريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أقال نادماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة» صحيح ابن حبان كتاب البيوع باب الإقالة.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً» رواه الترمذي.
فالنصوص من الكتاب والسنّة تشير إلى الذكر والأنثى جميعاً ولم تستثن أحداً منهما في الخطاب والتوجيه الذي يبين ويوضح الطريق المستقيم.
ورعاية للمرأة وحفظاً لها من الامتهان والابتذال وحتى لا تكون لقمة سائغة للمفسدين والمتسلطين وضعاف العقول، ولأن الشريعة الإسلامية تحض على العمل والكسب الحلال ولا تمنع أحداً من ذلك رجالاً أو نساء، فهم على حدد سواء إلا أنها لم تترك الناس فوضى بل وضعت حدوداً وضوابط تكفل وتضمن للملتزم بها من أن يقع في المحذور، كما أن الشريعة شاملة وكاملة فلم تترك شأناً من شؤون الرجل والمرأة إلا وبينت حكم الله فيه، إما عن طريق مصادر التشريع الأصل وهي كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة والقياس، أو عن طريق باقي مصادر التشريع كالمصالح المرسلة والاستحسان.. الخ، لقد وضعت معالم وأطر هي بمثابة السياج المنيع الذي يحفظ كرامة المرأة ويحميها من أن تكون مطية لشهوة منحرف أو نزوة خبيث يفقدها عفتها وطهرها ونقاءها، ويوقع المجتمع في الانحلال والفساد.
وعمل المرأة مباح إلا عملاً محرماً لذاته أو مكانه، أما العمل المختلط اختلاطاً بريئاً عارضاً لا ريبة فيه ولا يتحقق وقوع الفساد فيه، مثل أن تعمل المرأة محاسبة في الأسواق الكبيرة التي يرتادها من الناس الكثير كما أن هذه الأسواق تحت رقابة ومتابعة ذاتية مستمرة بالأجهزة المرئية المسجلة وتحت رقابة الدولة وفقها الله تعالى من قبل الجهات الحكومية المخولة مثل هيئات الحسبة ووزارة العمل وغيرها.
وكما هو معلوم أن هذه الأسواق حريصة على سمعتها ومكانتها ولا يباع فيها إلا المباح أجد أن هذه الموظفة التي تعمل فيها محاسبة «كاشير» يجري عليها الأحكام الشرعية التالية:
١- الحالة الأولى:
أن تكون المرأة محتاجة للعمل لكسب رزقها ولسد حاجتها أو حاجة والديها أو أسرتها وليس لديها خيار آخر أو بديل يسد حاجتها وهي ملتزمة بالضوابط الشرعية، ومنها:
١- إذن ولي الأمر أو الزوج لزوجه.
٢- أن يكون العمل المراد الخروج لأجله غير محرم، ولا اختلاط فيه ريبة ولا خلوة فيه لأنها محرمة.
٣- أن يكون الخروج للحاجة للعمل وطلب الرزق الحلال.
٤- أن يكون العمل لحاجة لها أو لمجتمعها.
٥- ألا يكون الخروج للعمل فيه إضاعة لحق الأولاد أو الزوج.
٦- أن تلتزم المرأة بالحجاب وعدم إبداء الزينة أو التعطر أو يبدو منها ما يغري أو يفتن الرجل، والاتزان في حركاتها ومشيتها والخضوع في القول والتحدث.
٧- الابتعاد عن مواطن الريبة وصحبة السوء والالتزام بالأمانة والصدق.
٨- وقبل ذلك وبعده أن تحرص على مراقبة الله ومخافته في السر والعلن.
فهذه المرأة يجوز لها مزاولة هذا العمل ولا تثريب عليها إن شاء الله.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما: «يسرا ولا تعسرا» رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار» حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً.
«ما جاز لعذر بطل بزواله» الأشباه والنظائر للسيوطي صفحة ٨٥. و«الضرورات تبيح المحظورات» قواعد الفقه ص٨٩ للبركتي.
٢- الحالة الثانية:
إذا كانت المرأة ملتزمة بالضوابط الشرعية آنفة الذكر ولم تجد عملاً غير هذا العمل من غير حاجة ولديها ما يغنيها ويدفع الحاجة عنها فإن ممارستها لهذا العمل لا يخرج الحكم عن إطار الكراهة ومن ترك شيئاً لله عوضه الله بخير منه. قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب» سورة الطلاق آية ٢-٣.
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال «ما من عبد ترك شيئاً لله إلا أبدله الله به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب..» رواه أبو نعيم في الحلية.
وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك لا تدع شيئاً اتقاء الله تعالى إلا أعطاك الله عز وجل خيراً منه» رواه أحمد وإسناده صحيح ورواه البيهقي ووكيع.
٣- الحالة الثالثة:
إذا كانت راغبة العمل في هذه المهنة غير قادرة على الالتزام بالضوابط الشرعية أو معروفة بذلك فإن عملها بالأسواق يعتبر محرماً، ومن يمكنها من العمل آثم ويحرم عليه ذلك.
وأفضل عمل تقوم به المرأة ويناسب طبيعتها أن تقر في بيتها وتقوم بشؤون زوجها وأولادها، ولا يكون العمل خارج البيت إلا لحاجة لها أو حاجة ملحة لمجتمعها. قال تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) سورة الأحزاب، الآية ٣٣.
وهذا الخطاب موجه إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين تبعاً لهن في ذلك.
ومن النماذج الطيبة الطاهرة في الصدر الأول للإسلام، أمهات المؤمنين وغيرهن من المؤمنات، فالسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها حصنت الإسلام بثروتها وحكمتها. لا سنّة للنساء في ممارسة التجارة أظهر وأهدى من الاقتداء بسيدتنا خديجة بنت خويلد التي كانت من أصحاب رؤوس الأموال في مكة. فقد كانت لها تجارة تبعث بها إلى الشام حتى أن عيرها كانت كعامة عير قريش، تستأجر لها الرجال يجلبون لها المتاع فيبيعونه وتجازيهم عوضاً عن ذلك. فقد خرج في عيرها خير الرجال صلى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة وقالت له: أعطيك ضعف ما أعطي قومك وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج إلى سوق بصرى وباع سلعته التي خرج بها، واشترى غيرها وربحت ضعف ما كانت تربح. فأربحت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم ضعف ما سمت له.. الإصابة في تمييز الصحابة، «٤/٨١».
وفي ترجمة قيلة أم بني أنمار - من طبقات ابن سعد - أنها قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المروة ليحل بعمرة من عمره، فجئت أتوكأ على عصا حتى جلست إليه فقلت: يا رسول الله إني امرأة، أبيع وأشتري فربما أردت أن أشتري سلعة، وأعطي فيها أقل مما أريد أن آخذها به، وربما أردت أن أبيع السلعة فاستمت بها أكثر مما أريد أن أبيعها به ثم نقصت ثم نقصت حتى أبيعها بالذي أريد أن أبيعها به. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلي هكذا يا قيلة ولكن إذا أردت أن تشتري شيئاً فأعطي به الذي تريدين أن تأخذيه به أعطيت أو منعت، وإذا أردت أن تبيعي شيئاً فاستأمي الذي تريدين أن تبيعيه به أعطيت أو منعت. رواه البخاري في التاريخ وابن ماجه وابن سعد في الطبقات.
كانت «الشفاء بنت عبدالله العدوية» واسمها ليلى من المبايعين الأوائل ومن المهاجرين وكانت تعد من أعقل الصحابيات قال عنها ابن حجر: كانت من عقلاء النساء وفضلائهن وكان رسول الله يأتيها ويقيل عندها في بيتها.. كان عمر يقدّمها في الرأي ويرعاها ويفضلّها وربما ولاّها شيئاً من أمر السوق.. «الإصابة ٨/١٢٦».
وإضافة إلى الشفاء التي كانت تعتبر من خيرة صحابيات الرسول، وقد عملت امرأة أخرى تدعى «سمراء بنت نهيك» كانت تتصدى للحسبة في السوق.
فعن أبي بلج يحيى بن سليم قال: «رأيت سمراء بنت نهيك - وكانت قد أدركت النبي عليها درع غليظ وخمار غليظ، بيدها سوط تؤدب الناس، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر»، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٩/٢٦٤) بإسناد جوده الألباني وقال الهيثمي (٩/٢٦٤) ورجاله ثقات.
وذكر الإمام ابن عبدالبر في الاستيعاب في ترجمة الصحابية الجليلة سمراء بنت نهيك الأسدية «أدركت رسول الله وعمرت وكانت تمر في الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها» الاستيعاب، ابن عبدالبر، (٤/١٨٦٣).
وكانت النسوة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يمرضن ويداوين ومن أشهرهن الربيع بنت معوذ بن عفراء التي كانت تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته لمعالجة الجرحى وكذلك رفيدة الأنصارية التي كانت لها خيمة بجوار المسجد تعالج فيها الجرحى من الصحابة رضي الله عنها، وحديث علاجها لسعد بن معاذ رضي الله عنه مشهور معروف، وأم عمارة الأنصارية رضي الله عنها نسيبة بنت كعب رضي الله عنها وموقفها العظيم في القتال يوم أحد، وكذلك أم سليم رضي الله عنها وموقفها يوم حنين، ويوم أحد مع عائشة رضي الله عنهما، وكل مواطن صالح يساهم في إيجاد فرص عمل لإخوانه المواطنين وأخواته مأجور بإذن الله متى ما أخلص النية وأوجد البيئة الإسلامية المنضبطة بالضوابط الشرعية التي تمنع من الوقوع في السوء والخطيئة والآثام. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» رواه مسلم بهذا اللفظ. انتهى...
الكاتب في سطور
د. عبداللطيف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب (آل الشيخ) التميمي.
مختصر السيرة الذاتية:
أ- المؤهلات العلمية:
١- بكالوريوس كلية الشريعة بالرياض عام ١٣٩٣/١٣٩٤ه.
٢- ماجستير من المعهدد العالي للقضاء تخصص فقه مقارن عام ١٤٠٣/١٤٠٤ه بتقدير جيد جداً.
٣- شهادة الدكتوراه علوم إسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مع مرتبة الشرف الأولى والتوصية بطباعة الرسالة وتبادلها مع الجامعات العالمية عام ١٤١٧ه.
ب- الوظائف التي عمل بها:
١- سكرتير.
٢- مدير عام ادارة التفتيش بالرئاسة العامة لإدارات البحوث بالتكليف.
٣- مساعد أمين ثاني عام هيئة كبار العلماء بالمملكة.
٤- خبير شؤون إسلامية.
٥- مستشار إسلامي.
٦- مستشار خاص لسمو أمير الرياض.
٧- له مشاركات في الأنشطة الإنسانية والخيرية.
ج- طلب إحالته إلى التقاعد المبكر وصدرت الموافقة السامية بتاريخ ٢٦/٨/١٤٢٢ه.
د- له مؤلفات ومنها كتاب بعنوان خصوم الدعوة في العهد المدني ومظاهرها في العصر الحاضر.
وكتاب فقهي بعنوان: الحيازة والتقادم في الفقه الإسلامي مع مقارنة بالقانون الوضعي.
وبحث تحت عنوان: الشرط في الفقه الإسلامي.
كما أن له بعض البحوث الفقهية.
نقلا عن جريدة الرياض هذا الصباح