ابو نبيل
November 8th, 2010, 23:56
عالم آثار سعودي: أحمد الزيلعي
مدن أثرية مدفونة في الجزيرة العربية
http://www.asharqalawsat.com/2005/07/02/images/ksa-local.309186.jpg
كشف عالم الآثار السعودي الدكتور أحمد الزيلعي أن الجزيرة العربية مليئة بالآثار التاريخية والمدن المدفونة التي تعود تاريخها الى آلاف السنين.
واشار الزيلعي الذي يعمل أستاذا في جامعة الملك سعود بالرياض وأمين عام جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون وعضو إدارة هيئة السياحة إلى أهمية موسوعة جدة التي ترصد تاريخها القديم خلال 1400 عام وأنهم كفريق سيواجهون صعوبات خلال تنفيذها لضخامة المشروع، كما أوضح أهم الأسباب التي أدت إلى طمس أغلب الآثار الإسلامية بمكة والمدينة وعطلت مشاريع الكشف عن المواقع الأثرية التي تمثل حياة متكاملة ودلائل على استيطان بشري في المملكة.
تاريخ جدة
* تترأس فريقا علميا للقيام بموسوعة ضخمة عن مدينة جدة خلال 1400 عام، فما الذي تسعون إليه من خلالها؟
ـ كما هو معروف أن الموسوعة عمل علمي موثق، وقد كنا مجموعة من الزملاء في جامعة الملك عبد العزيز نطمح إلى أن يكون لمدينة جدة عمل توثيقي موسوعي مثل هذا العمل الذي هو قيد التنفيذ الآن، وشاء الله أن سخر لهذا العمل رجل الأعمال محمد عباس السحلي الذي طلب مني تقديم تصور عن هذه الموسوعة، وقدمت له تصورا من ثمانية مجلدات، الأول يعنى بجغرافية جدة أو المكان، والثاني بتاريخ جدة، والثالث عن آثارها وتراثها التقليدي، والرابع ثقافتها، والخامس خاص بمجتمعها، والسادس بمرافقها العامة، والسابع بتجارها واقتصادها، والثامن يعنى بشخوصها رجالا ونساء.
* سوف تتبعون تاريخ جدة في الموسوعة خلال 1400 عام منذ أن اختارها عثمان بن عفان بوابة لمكة.. أليس من الصعب تتبع هذه الفترة الزمنية الطويلة؟ ـ من الجانب التاريخي فإن تاريخ جدة متناثر بين كتب التاريخ القديمة والإشارات إليها قليلة جدا في المصادر التي وصلت إلى أيدينا بوصفها ميناء لمكة المكرمة ولكن هذا هو عملنا في الموسوعة، حيث نتتبع هذه الإشارات البسيطة في مختلف مراحلها التاريخية، وهي موجودة في أمهات الكتب وسنؤلف فيما بينها ونجمعها ونخرج منها عملا منفردا يجد القارئ فيه إجابات على تساؤلاته التي تدور في ذهنه، أما من جانب آثارها فهي مدينة قام عليها عمران كبير، وتوسع وتحديث ضخم وبالتالي من الصعب الحفر والكشف عن آثارها، إلا أننا سنعتمد على المعلومات التي من دونت عنها نحو سور جدة القديم وبواباتها وأشياء عديدة في كتب الرحالة العرب وكذلك الغربيين، هذا إلى جانب ما تبقي من آثارها القديمة حتى الآن خاصة في المنطقة التاريخية بجدة القديمة.
* من المؤكد أنكم ستعتمدون على الصور في هذه الموسوعة فكيف يمكنكم الحصول عليها خاصة فيما يتعلق بالآثار التي نال منها العمران؟ ـ من المعروف أن هناك صورا في كتب الرحالة الغربيين منذ أيام العثمانيين، كما توجد صور لدى البعثات التي جاءت إلى جدة وعملت بها، بالإضافة إلى صور الحجيج الذين التقطوها كذكريات لهم، ونحن نسعى إلى جمع أكبر عدد ممكن من الصور من مختلف الدول وخاصة النادرة، والمشروع مكلف جدا والأخ محمد السحلي وهو رجل اعلامي سابق سيتكفل بها مضحيا من أجل توثيق تاريخ جدة بشكل علمي.
* دعني أنطلق إلى منطقة أوسع وهي الجزيرة العربية التي تعد من المناطق التاريخية في عهد الحضارات القديمة وهذا يجعلها غنية بالآثار الإنسانية والمملكة تشكل مساحة كبيرة منها.. فلماذا لم يتم استغلالها حتى الآن وأين هي؟ ـ هذا صحيح، ولكن دعيني أركز حديثي على السعودية كونها محور الحديث، فهي مليئة بالآثار في مواقع مختلفة وكثيرة، ومنها ما يعود إلى مئات آلاف السنين وهناك دلائل كثيرة للاستيطان البشري في هذه البقعة، وأقصد بالاستيطان البشري ما يعود إلى مليون سنة أو أكثر، وقولك لماذا لم يتم استغلالها بالشكل المطلوب كما في الدول الأخرى فيمكنني القول أن المملكة قطر كبير واسع والمواقع الأثرية تعد فيه بعشرات الآلاف.
قرية «الفاو» تحت الربع الخالي
* ولكن لا يعرف منها سوى القليل نحو مدائن صالح والأخدود في نجران؟ ـ صحيح، مدائن صالح تعرف بالآثار الشاخصة أو البارزة أي الآثار التي يراها الناس، ولم تكن من الآثار الموجودة تحت الأرض في منطقة الربع الخالي، ويتم الكشف عنها، ولكن هناك أثاراً في المملكة تحت الأرض ومن أهم هذه الآثار قرية كاملة تسمى «الفاو» التي تبعد 700 كلم إلى الجنوب من مدينة الرياض وهذه القرية كانت عاصمة دولة «كندة» التي كانت موجودة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وكشفت الآثار بهذه القرية عن استطيان بشري يعود من 200 إلى 400 عام قبل الميلاد، وسكنتها شعوب لفترات مختلفة.
* هل ملامح هذه القرية واضحة تحت الأرض؟ ـ نعم ملامحها بارزة، فقد كشفنا عن حياة كاملة في هذه القرية من حيث الأحياء السكنية وأسواقها ومستودعات ودور العبادة الخاصة بهم ومنازل لمختلف المستويات تتراوح بين البيوت الفارهة والقصور الفخمة إلى بيوت عادية للفقراء والقبور والقنوات الزراعية، وبها مختلف وجوه الحياة، وفي متحف الرياض ثروة تاريخية غير موجودة في أي مكان، تم حفظها من آثار هذه القرية مثل المجوهرات والتماثيل والأواني المتنوعة من ذهب وفضة وفخار وغيرها، وهذه الآثار التي عثر عليها كشفت لنا عن حياة حضارية راقية جدا عاشها سكانها وهي تتكون من علاقات إنسانية مختلفة من يونانية ومصرية وغيرهما.
* كم عمق الفاو تحت الأرض وهل تم اكتشافها أخيرا؟ ـ هي مكونة من أربع طبقات، فقد مر على الفاو دولتان الأولى معين والثانية كندة، وهما دولتان فوق بعضهما البعض، ودولة معين مرت بمرحلتين، وكذلك دولة كندة مرت بمرحلتين، ويصل عمقها تحت الأرض إلى 4 أمتار تقريبا، وقد تم الكشف عنها منذ 23 أو 25 سنة وجامعة الملك سعود تعمل في البحث بها منذ 30 سنة ولم يتوقف العمل بها منذ ذلك الحين إلا العام الماضي.
* بوجود هذه الآثار الكثيرة البارزة منها والمدفونة تحت الأرض لماذا لم يتم استغلالها والكشف عنها؟ ـ الجهود والأموال التي بذلت في الكشف عن هذه القرية (الفاو) لو تبذل أيضا في كل موقع أثري سنكون أكثر حظا، وكما قلت سابقا لدينا الآلاف من المواقع الأثرية، ومن هذه المواقع «تيماء» وهي من العواصم المعروفة في وادي القرى، وهي تحتاج إلى جهد وإمكانيات وأموال كبيرة جدا ليتم الكشف عنها واستثمارها سياحيا، ونتمنى أن تتضاعف الجهود والإمكانيات المادية والدعم المعنوي فالسياحة الان من العوامل الفاعلة والواعدة بالتقدم الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة لأيد عاملة شابة.
مدن مدفونة تحت الأرض
* هل توجد مواقع أثرية أخرى تحت الأرض غير الفاو؟ ـ بالطبع، هناك تيماء التي يتم العمل فيها والحفر بها للكشف عنها و(العلا) وكذلك في منطقة جازان مواقع أثرية، أما المنطقة الشرقية فهي غنية بالمدن الأثرية تحت الأرض وتم اكتشاف ذلك من المسوحات والمجسات الاختبارية التي أجريت في المنطقة والمجس هو ما نقصد به شقا يحفر تحت الأرض تم من خلاله اكتشاف آثار كثيرة ومتنوعة لكنها للأسف تُركت كونها تحتاج إلى إمكانيات كبيرة من الجهد والمال والحفر المستمر، ونحن في المملكة حتى عهد قريب ما نزال نعتمد على قدراتنا الذاتية ولم نستفد من الأيدي الأجنبية التي لها إمكانات عملية وعلمية كما هو الحال في مصر التي استعانت بأيد وخبرات أجنبية للكشف عن آثارها.
* لماذا لا تتم الاستعانة بالبعثات الخارجية والأيدي الأجنبية للمساعدة في الكشف عنها؟ ـ أنا أيضا أتساءل لماذا لا تتم الاستعانة بها ولا نستفيد من خبرات وتجارب الآخرين، فهؤلاء لديهم قدرات وإمكانات علمية ومادية، كما أن هناك قانون دولي يحفظ حقوقنا من الضياع، ولا يوجد خوف من الاستعانة بها.
الآثار الإسلامية في مكة والمدينة
* ماذا عن الآثار الإسلامية وما قبل الإسلام في مكة والمدينة.. فهي قليلة وكما يشاع أن بعض الآراء المتشددة كانت سببا في طمسها فما مدى صحة ذلك؟ ـ الامتداد العمراني والتوسع والتحديث قضى على الكثير من المعالم التاريخية والآثار بهما وما زالت في مكة بعض المنشآت التي ليست قديمة جدا ولكنها تعود كما أتذكر إلى العهد المملوكي والعثماني ولست متأكدا من المدينة، ولكن رغم التوسع والتحديث العمراني إلا أنه تم تقييد وتدوين الآثار في الكتب، ولو لدينا وعي بأهمية هذه الآثار لكان أصحاب المنازل قبل أن يبنوا منازلهم الجديدة أن يستفيدوا من الأثريين للحفر والكشف عن آثار قديمة تحت منازلهم، أما من حيث أن بعضهم ذهب إلى ضرورة طمس المعالم الإسلامية والآثار خوفا من تقديس الناس لها واختلاق البدع والخرافات حولها فهذا كلام مردود، وأنا على يقين بهذا احتراما للعقل الإنساني اليوم خصوصا في بلادنا حيث تربيتنا على عقيدة سليمة ولله الحمد.
* لكن هذه الآراء التي أثرت على الآثار وأدت إلى عدم استغلالها كانت منذ 50 أو 60 سنة وليست الآن فعطلت عملية استغلالها.. أليس ذلك صحيحا؟
ـ الآن في نظري أشد من الأمس، وقد تناظرت مع شخص حول هذه المسألة واستشهد خلال مناظرته بقوم إبراهيم عليه السلام الذين عكفوا يعبدون الأصنام وهذا لا ينطبق على أمة محمد لأن الزمن اختلف عن الماضي وإبراهيم نفسه لم يكن حينها يعرف ربه إلا بهداية الله كما ثبت ذلك من خلال الآيات القرآنية وذلك على عكس أمة محمد التي وهبها الله معجزة معنوية خالدة تتمثل في القرآن الكريم الذي عجزت عن الإتيان بمثله العرب حينها وأدركوا هذه الحقيقة السماوية التي أمنوا بها.
* مناظرتك لهذا الشخص في الوقت الحالي تدل على أن هناك آخرين ممن يرفضون استغلال الآثار.. ترى كيف يمكن تجاوز تأثير هؤلاء؟ ـ أنا وأنت وغيرنا يعرف تماما أننا لن نعود إلى هذه الوثنية أو اختلاق البدع فيها وربما هؤلاء من أصحاب هذه النظرية يخشون على الأجيال المقبلة بعدنا من الوقوع بذلك، ولكن عن نفسي فأنا أخشى على الأجيال المقبلة من الإلحاد بسبب طغيان المادية على حياتنا ولا أعتقد أنهم سيتقربون إلى الله تعالى بأوثان أو أشياء عتيقة وبالية للتبرك بها، وربما كانت هناك آراء رافضة لوجود هذه الآثار بسبب قلة وعي هؤلاء بأهمية هذه الآثار، ولا ننسى أن الوعي كان بسيطا حينها. الشرق الاوسط 02/07/2005
حوار: حليمة مظفر
مدن أثرية مدفونة في الجزيرة العربية
http://www.asharqalawsat.com/2005/07/02/images/ksa-local.309186.jpg
كشف عالم الآثار السعودي الدكتور أحمد الزيلعي أن الجزيرة العربية مليئة بالآثار التاريخية والمدن المدفونة التي تعود تاريخها الى آلاف السنين.
واشار الزيلعي الذي يعمل أستاذا في جامعة الملك سعود بالرياض وأمين عام جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون وعضو إدارة هيئة السياحة إلى أهمية موسوعة جدة التي ترصد تاريخها القديم خلال 1400 عام وأنهم كفريق سيواجهون صعوبات خلال تنفيذها لضخامة المشروع، كما أوضح أهم الأسباب التي أدت إلى طمس أغلب الآثار الإسلامية بمكة والمدينة وعطلت مشاريع الكشف عن المواقع الأثرية التي تمثل حياة متكاملة ودلائل على استيطان بشري في المملكة.
تاريخ جدة
* تترأس فريقا علميا للقيام بموسوعة ضخمة عن مدينة جدة خلال 1400 عام، فما الذي تسعون إليه من خلالها؟
ـ كما هو معروف أن الموسوعة عمل علمي موثق، وقد كنا مجموعة من الزملاء في جامعة الملك عبد العزيز نطمح إلى أن يكون لمدينة جدة عمل توثيقي موسوعي مثل هذا العمل الذي هو قيد التنفيذ الآن، وشاء الله أن سخر لهذا العمل رجل الأعمال محمد عباس السحلي الذي طلب مني تقديم تصور عن هذه الموسوعة، وقدمت له تصورا من ثمانية مجلدات، الأول يعنى بجغرافية جدة أو المكان، والثاني بتاريخ جدة، والثالث عن آثارها وتراثها التقليدي، والرابع ثقافتها، والخامس خاص بمجتمعها، والسادس بمرافقها العامة، والسابع بتجارها واقتصادها، والثامن يعنى بشخوصها رجالا ونساء.
* سوف تتبعون تاريخ جدة في الموسوعة خلال 1400 عام منذ أن اختارها عثمان بن عفان بوابة لمكة.. أليس من الصعب تتبع هذه الفترة الزمنية الطويلة؟ ـ من الجانب التاريخي فإن تاريخ جدة متناثر بين كتب التاريخ القديمة والإشارات إليها قليلة جدا في المصادر التي وصلت إلى أيدينا بوصفها ميناء لمكة المكرمة ولكن هذا هو عملنا في الموسوعة، حيث نتتبع هذه الإشارات البسيطة في مختلف مراحلها التاريخية، وهي موجودة في أمهات الكتب وسنؤلف فيما بينها ونجمعها ونخرج منها عملا منفردا يجد القارئ فيه إجابات على تساؤلاته التي تدور في ذهنه، أما من جانب آثارها فهي مدينة قام عليها عمران كبير، وتوسع وتحديث ضخم وبالتالي من الصعب الحفر والكشف عن آثارها، إلا أننا سنعتمد على المعلومات التي من دونت عنها نحو سور جدة القديم وبواباتها وأشياء عديدة في كتب الرحالة العرب وكذلك الغربيين، هذا إلى جانب ما تبقي من آثارها القديمة حتى الآن خاصة في المنطقة التاريخية بجدة القديمة.
* من المؤكد أنكم ستعتمدون على الصور في هذه الموسوعة فكيف يمكنكم الحصول عليها خاصة فيما يتعلق بالآثار التي نال منها العمران؟ ـ من المعروف أن هناك صورا في كتب الرحالة الغربيين منذ أيام العثمانيين، كما توجد صور لدى البعثات التي جاءت إلى جدة وعملت بها، بالإضافة إلى صور الحجيج الذين التقطوها كذكريات لهم، ونحن نسعى إلى جمع أكبر عدد ممكن من الصور من مختلف الدول وخاصة النادرة، والمشروع مكلف جدا والأخ محمد السحلي وهو رجل اعلامي سابق سيتكفل بها مضحيا من أجل توثيق تاريخ جدة بشكل علمي.
* دعني أنطلق إلى منطقة أوسع وهي الجزيرة العربية التي تعد من المناطق التاريخية في عهد الحضارات القديمة وهذا يجعلها غنية بالآثار الإنسانية والمملكة تشكل مساحة كبيرة منها.. فلماذا لم يتم استغلالها حتى الآن وأين هي؟ ـ هذا صحيح، ولكن دعيني أركز حديثي على السعودية كونها محور الحديث، فهي مليئة بالآثار في مواقع مختلفة وكثيرة، ومنها ما يعود إلى مئات آلاف السنين وهناك دلائل كثيرة للاستيطان البشري في هذه البقعة، وأقصد بالاستيطان البشري ما يعود إلى مليون سنة أو أكثر، وقولك لماذا لم يتم استغلالها بالشكل المطلوب كما في الدول الأخرى فيمكنني القول أن المملكة قطر كبير واسع والمواقع الأثرية تعد فيه بعشرات الآلاف.
قرية «الفاو» تحت الربع الخالي
* ولكن لا يعرف منها سوى القليل نحو مدائن صالح والأخدود في نجران؟ ـ صحيح، مدائن صالح تعرف بالآثار الشاخصة أو البارزة أي الآثار التي يراها الناس، ولم تكن من الآثار الموجودة تحت الأرض في منطقة الربع الخالي، ويتم الكشف عنها، ولكن هناك أثاراً في المملكة تحت الأرض ومن أهم هذه الآثار قرية كاملة تسمى «الفاو» التي تبعد 700 كلم إلى الجنوب من مدينة الرياض وهذه القرية كانت عاصمة دولة «كندة» التي كانت موجودة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وكشفت الآثار بهذه القرية عن استطيان بشري يعود من 200 إلى 400 عام قبل الميلاد، وسكنتها شعوب لفترات مختلفة.
* هل ملامح هذه القرية واضحة تحت الأرض؟ ـ نعم ملامحها بارزة، فقد كشفنا عن حياة كاملة في هذه القرية من حيث الأحياء السكنية وأسواقها ومستودعات ودور العبادة الخاصة بهم ومنازل لمختلف المستويات تتراوح بين البيوت الفارهة والقصور الفخمة إلى بيوت عادية للفقراء والقبور والقنوات الزراعية، وبها مختلف وجوه الحياة، وفي متحف الرياض ثروة تاريخية غير موجودة في أي مكان، تم حفظها من آثار هذه القرية مثل المجوهرات والتماثيل والأواني المتنوعة من ذهب وفضة وفخار وغيرها، وهذه الآثار التي عثر عليها كشفت لنا عن حياة حضارية راقية جدا عاشها سكانها وهي تتكون من علاقات إنسانية مختلفة من يونانية ومصرية وغيرهما.
* كم عمق الفاو تحت الأرض وهل تم اكتشافها أخيرا؟ ـ هي مكونة من أربع طبقات، فقد مر على الفاو دولتان الأولى معين والثانية كندة، وهما دولتان فوق بعضهما البعض، ودولة معين مرت بمرحلتين، وكذلك دولة كندة مرت بمرحلتين، ويصل عمقها تحت الأرض إلى 4 أمتار تقريبا، وقد تم الكشف عنها منذ 23 أو 25 سنة وجامعة الملك سعود تعمل في البحث بها منذ 30 سنة ولم يتوقف العمل بها منذ ذلك الحين إلا العام الماضي.
* بوجود هذه الآثار الكثيرة البارزة منها والمدفونة تحت الأرض لماذا لم يتم استغلالها والكشف عنها؟ ـ الجهود والأموال التي بذلت في الكشف عن هذه القرية (الفاو) لو تبذل أيضا في كل موقع أثري سنكون أكثر حظا، وكما قلت سابقا لدينا الآلاف من المواقع الأثرية، ومن هذه المواقع «تيماء» وهي من العواصم المعروفة في وادي القرى، وهي تحتاج إلى جهد وإمكانيات وأموال كبيرة جدا ليتم الكشف عنها واستثمارها سياحيا، ونتمنى أن تتضاعف الجهود والإمكانيات المادية والدعم المعنوي فالسياحة الان من العوامل الفاعلة والواعدة بالتقدم الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة لأيد عاملة شابة.
مدن مدفونة تحت الأرض
* هل توجد مواقع أثرية أخرى تحت الأرض غير الفاو؟ ـ بالطبع، هناك تيماء التي يتم العمل فيها والحفر بها للكشف عنها و(العلا) وكذلك في منطقة جازان مواقع أثرية، أما المنطقة الشرقية فهي غنية بالمدن الأثرية تحت الأرض وتم اكتشاف ذلك من المسوحات والمجسات الاختبارية التي أجريت في المنطقة والمجس هو ما نقصد به شقا يحفر تحت الأرض تم من خلاله اكتشاف آثار كثيرة ومتنوعة لكنها للأسف تُركت كونها تحتاج إلى إمكانيات كبيرة من الجهد والمال والحفر المستمر، ونحن في المملكة حتى عهد قريب ما نزال نعتمد على قدراتنا الذاتية ولم نستفد من الأيدي الأجنبية التي لها إمكانات عملية وعلمية كما هو الحال في مصر التي استعانت بأيد وخبرات أجنبية للكشف عن آثارها.
* لماذا لا تتم الاستعانة بالبعثات الخارجية والأيدي الأجنبية للمساعدة في الكشف عنها؟ ـ أنا أيضا أتساءل لماذا لا تتم الاستعانة بها ولا نستفيد من خبرات وتجارب الآخرين، فهؤلاء لديهم قدرات وإمكانات علمية ومادية، كما أن هناك قانون دولي يحفظ حقوقنا من الضياع، ولا يوجد خوف من الاستعانة بها.
الآثار الإسلامية في مكة والمدينة
* ماذا عن الآثار الإسلامية وما قبل الإسلام في مكة والمدينة.. فهي قليلة وكما يشاع أن بعض الآراء المتشددة كانت سببا في طمسها فما مدى صحة ذلك؟ ـ الامتداد العمراني والتوسع والتحديث قضى على الكثير من المعالم التاريخية والآثار بهما وما زالت في مكة بعض المنشآت التي ليست قديمة جدا ولكنها تعود كما أتذكر إلى العهد المملوكي والعثماني ولست متأكدا من المدينة، ولكن رغم التوسع والتحديث العمراني إلا أنه تم تقييد وتدوين الآثار في الكتب، ولو لدينا وعي بأهمية هذه الآثار لكان أصحاب المنازل قبل أن يبنوا منازلهم الجديدة أن يستفيدوا من الأثريين للحفر والكشف عن آثار قديمة تحت منازلهم، أما من حيث أن بعضهم ذهب إلى ضرورة طمس المعالم الإسلامية والآثار خوفا من تقديس الناس لها واختلاق البدع والخرافات حولها فهذا كلام مردود، وأنا على يقين بهذا احتراما للعقل الإنساني اليوم خصوصا في بلادنا حيث تربيتنا على عقيدة سليمة ولله الحمد.
* لكن هذه الآراء التي أثرت على الآثار وأدت إلى عدم استغلالها كانت منذ 50 أو 60 سنة وليست الآن فعطلت عملية استغلالها.. أليس ذلك صحيحا؟
ـ الآن في نظري أشد من الأمس، وقد تناظرت مع شخص حول هذه المسألة واستشهد خلال مناظرته بقوم إبراهيم عليه السلام الذين عكفوا يعبدون الأصنام وهذا لا ينطبق على أمة محمد لأن الزمن اختلف عن الماضي وإبراهيم نفسه لم يكن حينها يعرف ربه إلا بهداية الله كما ثبت ذلك من خلال الآيات القرآنية وذلك على عكس أمة محمد التي وهبها الله معجزة معنوية خالدة تتمثل في القرآن الكريم الذي عجزت عن الإتيان بمثله العرب حينها وأدركوا هذه الحقيقة السماوية التي أمنوا بها.
* مناظرتك لهذا الشخص في الوقت الحالي تدل على أن هناك آخرين ممن يرفضون استغلال الآثار.. ترى كيف يمكن تجاوز تأثير هؤلاء؟ ـ أنا وأنت وغيرنا يعرف تماما أننا لن نعود إلى هذه الوثنية أو اختلاق البدع فيها وربما هؤلاء من أصحاب هذه النظرية يخشون على الأجيال المقبلة بعدنا من الوقوع بذلك، ولكن عن نفسي فأنا أخشى على الأجيال المقبلة من الإلحاد بسبب طغيان المادية على حياتنا ولا أعتقد أنهم سيتقربون إلى الله تعالى بأوثان أو أشياء عتيقة وبالية للتبرك بها، وربما كانت هناك آراء رافضة لوجود هذه الآثار بسبب قلة وعي هؤلاء بأهمية هذه الآثار، ولا ننسى أن الوعي كان بسيطا حينها. الشرق الاوسط 02/07/2005
حوار: حليمة مظفر