المنتقد
September 1st, 2010, 05:56
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,
الوليد بن عبد الملك
هو الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو العباس الأموي. أمه: ولادة بنت العباس بن حزن بن الحارث بن زهير العبسي، كان مولده سنة خمسين. بويع له بالخلافة بعد أبيه بعهد منه في شوال سنة 86هـ، وكان أكبر ولده والوالي من بعده.
أخلاق الوليد وعلمه
حرص عبد الملك على تربية أولاده تربية إسلامية، كما كان يحثهم على الرجولة ومكارم الأخلاق، وقد أَوْلَى ابنه الوليد عناية خاصة، وكان يحثه على تعلم العربية وإتقانها، وكان يقول: "لا يلي العرب إلا من يحسن لغتهم". فجمع الوليد جماعة من أهل النحو أقاموا عنده سنة، وقيل: ستة أشهر فلم يؤثر ذلك في إتقانه للنحو، فقال عبد الملك: قد أجهد وأعذر.
وقد شَبَّ الوليد على الصلاح والتقوى، وحب القرآن والإكثار من تلاوته، وحثّ الناس على حفظه، وإجازتهم على ذلك، فيروى أن إبراهيم بن أبي عبلة قال: قال لي الوليد يومًا: في كم تختم القرآن؟ فقلت: في كذا وكذا، فقال: أمير المؤمنين على شغله يختمه في كل ثلاث -وقيل في كل سبع- قال: وكان يقرأ في شهر رمضان سبع عشرة ختمة. قال إبراهيم: رحم الله الوليد، وأين مثله؟ بنى مسجد دمشق، وكان يعطيني قطع الفضة فأقسمها على قُرَّاء بيت المقدس". وروى الطبري: أن رجلاً من بني مخزوم سأل الوليد قضاء دَيْنٍ عليه فقال: "نعم إن كنت مستحقًّا لذلك. قال: يا أمير المؤمنين، وكيف لا أكون مستحقًّا لذلك مع قرابتي؟ قال: أقرأتَ القرآن؟ قال: لا. قال: ادنُ مني. فدنا منه، فنزع عمامته بقضيب كان في يده، وقرعه قرعات بالقضيب، وقال لرجلٍ: ضُمَّ إليك هذا، فلا يفارقك حتى يقرأ القرآن. فقام إليه عثمان بن يزيد بن خالد فقال: يا أمير المؤمنين، إن عليَّ دينًا. فقال: أقرأت القرآن. قال: نعم. فاستقرأه عشر آيات من الأنفال، وعشر آيات من براءة، فقرأ، فقال: نعم. نقضي عنك، ونصل أرحامك على هذا".
ازدهار الخلافة في عهده
لقد اهتم الوليد بكافة الاحتياجات الداخلية والخارجية للدولة في عهده، حتى وصل اهتمامه بالمقعدين والعجزة، ولذلك يقول الطبري: "كان الوليد بن عبد الملك عند أهل الشام أفضل خلائفهم؛ بنى المساجد: مسجد دمشق، ومسجد المدينة، ووضع المنابر، وأعطى الناس، وأعطى المجذومين، وقال: لا تسألوا الناس، وأعطى كل مُقعَد خادمًا، وكل ضرير قائدًا، وفتح في ولايته فتوحًا عظامًا".
حقًّا، لقد كان عهد الوليد بن عبد الملك غُرَّة في جبين الدولة الأموية، ولكن إنصافًا للحقيقة نقول: إن الوليد مدين لأبيه عبد الملك، أو إن شئت فقل: إن عهد الوليد كان ثمرة طيبة لتلك الجهود لكبيرة التي بذلها عبد الملك على مدى عشرين عامًا كاملة من عمره في توحيد الدولة، والقضاء على أعدائها في الداخل والخارج، وفي تنظيمها وضبطها، حتى سلمها للوليد وهي أعظم ما تكون قوة واستقرارًا وازدهارًا، فاستثمر الوليد جهود أبيه أفضل استثمار، وقام بإصلاحات اجتماعية وعمرانية واقتصادية رائعة في الداخل، ولشهرته بحبه للبناء والتعمير كان الناس يلتقون في عهده، فيسأل بعضهم بعضًا عن البناء والمصانع.
ففي عهد الوليد بن عبد الملك تم إعادة بناء مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسعته من جميع النواحي وإدخال حجرات أزواج النبيفيه، ولم يبخل في سبيل ذلك بمال، ليكون المسجد في أعظم وأبهى صورة، وعهد بهذه المهمة إلى ابن عمه وواليه على المدينة عمر بن عبد العزيز، فأوكل عمر مهمة الإشراف على بناء المسجد إلى صالح بن كيسان، وبعث إليه الوليد بالأموال والرخام والفسيفساء وثمانين صانعًا من الروم والقبط من أهل الشام ومصر.
أما مسجد دمشق فقد جعله الوليد آية من آيات العمارة الإسلامية، وبالغ في تزيينه وأبهته ليكون مظهرًا من مظاهر عظمة الإسلام، وأنفق عليه أموالاً طائلة حتى إن الناس انتقدوه على كثرة النفقات على بناء المسجد، فقال لهم: يا أهل الشام، لكم أربعة أشياء تفخرون بها، فأردت أن أجعل لكم خامسًا. وقد استغرق بناء مسجد دمشق كل عهد الوليد وأتم بناءه أخوه سليمان بن عبد الملك من بعده.
وكما كان الوليد مهتمًّا ببناء المساجد فقد اعتنى بتعبيد الطرق، وبخاصة تلك التي تؤدي إلى الحجاز لتيسير السفر على الحجاج إلى بيت الله الحرام، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز في تسهيل الثنايا وحفر الآبار، وعمل الفوارة في المدينة، وأمر لها بقُوَّام يقومون عليه، وأن يُسقَى منها أهل المسجد.
الفتوحات في عهده
وإذا كان عهد الوليد بن عبد الملك قد اتسم بالإصلاح والتعمير في الداخل؛ ففي الخارج شهد أعظم الفتوحات في الدولة الأموية، بل في التاريخ الإسلامي كله -بعد فتوحات الخلفاء الراشدين- وقد برز في عهده عدد من القواد العظام الذين اتصفوا بالجسارة والإقدام والتضحية في سبيل الله، فاضطلعوا بعبء الفتوحات في الشرق والغرب؛ ففي المشرق وقف الحجاج في العراق ناشرًا جناحيه إلى الجنوب الشرقي، إلى إقليم السند، فأرسل محمد بن القاسم الثقفي ففتح هذا الإقليم، وإلى الشمال الشرقي فيما وراء النهر، أرسل قتيبة بن مسلم الذي فتح هذا الإقليم الشاسع وأدخله تحت راية الإسلام.
أما في المغرب فقد تألق قائدان عظيمان هما: موسى بن نصير، وطارق بن زياد، اللذان فتحا الأندلس، كما اضطلع أخوه مسلمة بن عبد الملك وأبناؤه بمنازلة الدولة البيزنطية والضغط عليها، والاستيلاء على الكثير من حصونها وقلاعها في مناطق الحدود.
ففي سنة 87هـ شرع في بناء جامع دمشق وكتب بتوسيع المسجد النبوي وبنائه وفيها فتحت بيكند و بخارى و سردانية و مطمورة و قميقم و بحيرة الفرسان عنوة وفيها حج بالناس عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة.
في سنة 88هـ فتحت جرثومة و طوانة.
في سنة 89هـ فتحت جزيرتا منورقة و ميورقة.
في سنة 91هـ فتحت نسف و كش و شومان و مدائن و حصون من بحر أذربيجان.
في سنة 92هـ فتح إقليم الأندلس بأسره ومدينة أرماييل و قتربون.
في سنة 93هـ فتحت الديبل وغيرها ثم الكرح و برهم و باجة و البيضاء و خوارزم و سمرقند و الصغد.
في سنة 94هـ فتحت كابل و فرغانة و الشاش و سندرة وغيرها.
في سنة 95هـ فتحت الموقان و مدينة الباب.
في سنة 96هـ فتحت طوس وغيرها وفيها مات الخليفة الوليد في نصف جمادى الآخرة وله إحدى وخمسون سنة.
وكان من رجاله محمد بن القاسم وقتيبة ابن مسلم وموسى بن نصير وطارق بن زياد. امتدت في زمنه حدود الدولة الإسلامية من المغرب الأقصى وإسبانيا غربا إلى بلاد الهند وتركستان فأطراف الصين شرقا.
والخلاصة أن عهد الوليد كان عهد الرخاء الواسع والازدهار العظيم، نَعِمَ الناسُ فيه بالهدوء والاستقرار، والبناء والعمران في الداخل، ووصلت فيه حدود الدولة الإسلامية من مشارف بلاد الصين حتى الأندلس، وأصبحت بحق أقوى دولة في العالم وقتئذٍ.
وفاته
توفي الوليد بن عبد الملك رحمه الله في منتصف جمادى الآخرة سنة 96هـ، فخلفه أخوه سليمان بن عبد الملك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,
الوليد بن عبد الملك
هو الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو العباس الأموي. أمه: ولادة بنت العباس بن حزن بن الحارث بن زهير العبسي، كان مولده سنة خمسين. بويع له بالخلافة بعد أبيه بعهد منه في شوال سنة 86هـ، وكان أكبر ولده والوالي من بعده.
أخلاق الوليد وعلمه
حرص عبد الملك على تربية أولاده تربية إسلامية، كما كان يحثهم على الرجولة ومكارم الأخلاق، وقد أَوْلَى ابنه الوليد عناية خاصة، وكان يحثه على تعلم العربية وإتقانها، وكان يقول: "لا يلي العرب إلا من يحسن لغتهم". فجمع الوليد جماعة من أهل النحو أقاموا عنده سنة، وقيل: ستة أشهر فلم يؤثر ذلك في إتقانه للنحو، فقال عبد الملك: قد أجهد وأعذر.
وقد شَبَّ الوليد على الصلاح والتقوى، وحب القرآن والإكثار من تلاوته، وحثّ الناس على حفظه، وإجازتهم على ذلك، فيروى أن إبراهيم بن أبي عبلة قال: قال لي الوليد يومًا: في كم تختم القرآن؟ فقلت: في كذا وكذا، فقال: أمير المؤمنين على شغله يختمه في كل ثلاث -وقيل في كل سبع- قال: وكان يقرأ في شهر رمضان سبع عشرة ختمة. قال إبراهيم: رحم الله الوليد، وأين مثله؟ بنى مسجد دمشق، وكان يعطيني قطع الفضة فأقسمها على قُرَّاء بيت المقدس". وروى الطبري: أن رجلاً من بني مخزوم سأل الوليد قضاء دَيْنٍ عليه فقال: "نعم إن كنت مستحقًّا لذلك. قال: يا أمير المؤمنين، وكيف لا أكون مستحقًّا لذلك مع قرابتي؟ قال: أقرأتَ القرآن؟ قال: لا. قال: ادنُ مني. فدنا منه، فنزع عمامته بقضيب كان في يده، وقرعه قرعات بالقضيب، وقال لرجلٍ: ضُمَّ إليك هذا، فلا يفارقك حتى يقرأ القرآن. فقام إليه عثمان بن يزيد بن خالد فقال: يا أمير المؤمنين، إن عليَّ دينًا. فقال: أقرأت القرآن. قال: نعم. فاستقرأه عشر آيات من الأنفال، وعشر آيات من براءة، فقرأ، فقال: نعم. نقضي عنك، ونصل أرحامك على هذا".
ازدهار الخلافة في عهده
لقد اهتم الوليد بكافة الاحتياجات الداخلية والخارجية للدولة في عهده، حتى وصل اهتمامه بالمقعدين والعجزة، ولذلك يقول الطبري: "كان الوليد بن عبد الملك عند أهل الشام أفضل خلائفهم؛ بنى المساجد: مسجد دمشق، ومسجد المدينة، ووضع المنابر، وأعطى الناس، وأعطى المجذومين، وقال: لا تسألوا الناس، وأعطى كل مُقعَد خادمًا، وكل ضرير قائدًا، وفتح في ولايته فتوحًا عظامًا".
حقًّا، لقد كان عهد الوليد بن عبد الملك غُرَّة في جبين الدولة الأموية، ولكن إنصافًا للحقيقة نقول: إن الوليد مدين لأبيه عبد الملك، أو إن شئت فقل: إن عهد الوليد كان ثمرة طيبة لتلك الجهود لكبيرة التي بذلها عبد الملك على مدى عشرين عامًا كاملة من عمره في توحيد الدولة، والقضاء على أعدائها في الداخل والخارج، وفي تنظيمها وضبطها، حتى سلمها للوليد وهي أعظم ما تكون قوة واستقرارًا وازدهارًا، فاستثمر الوليد جهود أبيه أفضل استثمار، وقام بإصلاحات اجتماعية وعمرانية واقتصادية رائعة في الداخل، ولشهرته بحبه للبناء والتعمير كان الناس يلتقون في عهده، فيسأل بعضهم بعضًا عن البناء والمصانع.
ففي عهد الوليد بن عبد الملك تم إعادة بناء مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسعته من جميع النواحي وإدخال حجرات أزواج النبيفيه، ولم يبخل في سبيل ذلك بمال، ليكون المسجد في أعظم وأبهى صورة، وعهد بهذه المهمة إلى ابن عمه وواليه على المدينة عمر بن عبد العزيز، فأوكل عمر مهمة الإشراف على بناء المسجد إلى صالح بن كيسان، وبعث إليه الوليد بالأموال والرخام والفسيفساء وثمانين صانعًا من الروم والقبط من أهل الشام ومصر.
أما مسجد دمشق فقد جعله الوليد آية من آيات العمارة الإسلامية، وبالغ في تزيينه وأبهته ليكون مظهرًا من مظاهر عظمة الإسلام، وأنفق عليه أموالاً طائلة حتى إن الناس انتقدوه على كثرة النفقات على بناء المسجد، فقال لهم: يا أهل الشام، لكم أربعة أشياء تفخرون بها، فأردت أن أجعل لكم خامسًا. وقد استغرق بناء مسجد دمشق كل عهد الوليد وأتم بناءه أخوه سليمان بن عبد الملك من بعده.
وكما كان الوليد مهتمًّا ببناء المساجد فقد اعتنى بتعبيد الطرق، وبخاصة تلك التي تؤدي إلى الحجاز لتيسير السفر على الحجاج إلى بيت الله الحرام، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز في تسهيل الثنايا وحفر الآبار، وعمل الفوارة في المدينة، وأمر لها بقُوَّام يقومون عليه، وأن يُسقَى منها أهل المسجد.
الفتوحات في عهده
وإذا كان عهد الوليد بن عبد الملك قد اتسم بالإصلاح والتعمير في الداخل؛ ففي الخارج شهد أعظم الفتوحات في الدولة الأموية، بل في التاريخ الإسلامي كله -بعد فتوحات الخلفاء الراشدين- وقد برز في عهده عدد من القواد العظام الذين اتصفوا بالجسارة والإقدام والتضحية في سبيل الله، فاضطلعوا بعبء الفتوحات في الشرق والغرب؛ ففي المشرق وقف الحجاج في العراق ناشرًا جناحيه إلى الجنوب الشرقي، إلى إقليم السند، فأرسل محمد بن القاسم الثقفي ففتح هذا الإقليم، وإلى الشمال الشرقي فيما وراء النهر، أرسل قتيبة بن مسلم الذي فتح هذا الإقليم الشاسع وأدخله تحت راية الإسلام.
أما في المغرب فقد تألق قائدان عظيمان هما: موسى بن نصير، وطارق بن زياد، اللذان فتحا الأندلس، كما اضطلع أخوه مسلمة بن عبد الملك وأبناؤه بمنازلة الدولة البيزنطية والضغط عليها، والاستيلاء على الكثير من حصونها وقلاعها في مناطق الحدود.
ففي سنة 87هـ شرع في بناء جامع دمشق وكتب بتوسيع المسجد النبوي وبنائه وفيها فتحت بيكند و بخارى و سردانية و مطمورة و قميقم و بحيرة الفرسان عنوة وفيها حج بالناس عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة.
في سنة 88هـ فتحت جرثومة و طوانة.
في سنة 89هـ فتحت جزيرتا منورقة و ميورقة.
في سنة 91هـ فتحت نسف و كش و شومان و مدائن و حصون من بحر أذربيجان.
في سنة 92هـ فتح إقليم الأندلس بأسره ومدينة أرماييل و قتربون.
في سنة 93هـ فتحت الديبل وغيرها ثم الكرح و برهم و باجة و البيضاء و خوارزم و سمرقند و الصغد.
في سنة 94هـ فتحت كابل و فرغانة و الشاش و سندرة وغيرها.
في سنة 95هـ فتحت الموقان و مدينة الباب.
في سنة 96هـ فتحت طوس وغيرها وفيها مات الخليفة الوليد في نصف جمادى الآخرة وله إحدى وخمسون سنة.
وكان من رجاله محمد بن القاسم وقتيبة ابن مسلم وموسى بن نصير وطارق بن زياد. امتدت في زمنه حدود الدولة الإسلامية من المغرب الأقصى وإسبانيا غربا إلى بلاد الهند وتركستان فأطراف الصين شرقا.
والخلاصة أن عهد الوليد كان عهد الرخاء الواسع والازدهار العظيم، نَعِمَ الناسُ فيه بالهدوء والاستقرار، والبناء والعمران في الداخل، ووصلت فيه حدود الدولة الإسلامية من مشارف بلاد الصين حتى الأندلس، وأصبحت بحق أقوى دولة في العالم وقتئذٍ.
وفاته
توفي الوليد بن عبد الملك رحمه الله في منتصف جمادى الآخرة سنة 96هـ، فخلفه أخوه سليمان بن عبد الملك.